دور القضاء السوري في الانتخابات البرلمانية

الديمقراطية ليست مجرد انتخابات, لكن الانتخابات هي الآلية الأساسية في الممارسة الديمقراطية, وكلما صحَّت هذه الآلية، أمكن التقدم نحو نظام ديمقراطي حقيقي، ولطالما أكدت العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان كافة على حق كل شخص في المشاركة في إدارة شؤون الحكم من خلال انتخابات نزيهة، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.

والانتخابات الحرة والنزيهة هي جوهر الديمقراطية والضرورة الحتمية التي لا غنى عنها، وتتطلب احتراماً للحق في حرية التعبير والرأي والتجمع السلمي وحرية تكوين الجماعات وحرية التنقل وغير ذلك من الحقوق الأخرى.

معيار (نزاهة) الانتخابات، يقول الدكتور حسن مصطفى البحري- أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة دمشق لـ “تشرين”: إنه يرتبط بعنصر (الحياد) الذي يجب أن تتسم به الجهة المشرفة على الانتخابات في تعاملها مع كل أطراف العملية الانتخابية من مرشحين وناخبين ومشرفين ومراقبين، وفي جميع مراحلها بدءاً من حق الاقتراع، ومروراً بكيفية تحويل أصوات الناخبين إلى مقاعد نيابية، وكيفية ممارسة هذا الحق، وانتهاءً بكل ما يتصل بالإشراف على الانتخابات وفرز الأصوات وإعلان النتائج النهائية للانتخابات.

ويجري العمل في بعض الدول ـ ومنها سورية ـ على إسناد مهمة الإشراف على الانتخابات إلى السلطة القضائية في الدولة، والتي عادة ما يكفل الدستور حياديتها واستقلالها عن باقي السلطات الأخرى في الدولة, حيث يتمتع أعضاؤها بالعديد من الضمانات التي تمكنهم من أداء المهام الموكولة لهم من دون شبهة التأثير أو المحاباة أو التحيُّز لأحد أطراف العملية الانتخابية، ما يوفِّر مناخاً ملائماً لإجراء العملية الانتخابية .

وبخصوص دور القضاء السوري في الإشراف على انتخابات أعضاء مجلس الشعب, يشير الدكتور البحري إلى أن هذا الدور يتضح من خلال أمرين:

الأمر الأول: دور القضاء في الإشراف على الانتخابات البرلمانية.

الأمر الثاني: اختصاص القضاء بالفصل في الطعون الخاصة بصحة انتخاب أعضاء مجلس الشعب.

دور القضاء في الإشراف على الانتخابات البرلمانية

ـ بالنسبة لدور القضاء في الإشراف على الانتخابات البرلمانية, بيَّن الدكتور البحري أنه وفقاً لقانون الانتخابات العامة النافذ رقم /5/ لعام 2014 , تتولى «اللجنة القضائية العليا للانتخابات» ولجانها إدارة انتخابات أعضاء مجلس الشعب, والإشراف الكامل عليهما .

واللجنة القضائية العليا للانتخابات هي لجنة دائمة مقرها دمشق، تتولى الإشراف الكامل على انتخابات عضوية مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية, وتتمتع بالاستقلال التام في عملها عن أي جهة أخرى, حيث تمارس مهامها واختصاصاتها بحيادية وشفافية، ويحظر على أي جهة التدخل في شؤونها ومهامها أو الحد من صلاحياتها.

وتتألف اللجنة القضائية العليا للانتخابات من سبعة أعضاء (أصلاء) يسميهم مجلس القضاء الأعلى من مستشاري محكمة النقض، ومثلهم احتياطاً، ويصدر مرسوم بتشكيلها، وتحديد مكافآت أعضائها، وتكون مدة عضوية اللجنة أربع سنوات من تاريخ مرسوم تشكيلها، غير قابلة للتجديد، وأعضاؤها غير قابلين للعزل، وإذا شغر مكان أحد أعضائها لأي سبب من الأسباب حلَّ بدلاً منه الأقدم من القضاة الاحتياط، كما يرأس اللجنة القاضي الأقدم من بين أعضائها، ويدعو لانعقادها، وتكون اجتماعاتها قانونية بحضور أغلبية أعضائها، وفي حال غياب رئيس اللجنة ينوب عنه العضو الأقدم من أعضائها، ويتمتّع أعضاء اللجنة بحقوق متساوية في المداولة والتصويت.

وتتخذ اللجنة قراراتها بأغلبية الحاضرين، وفي حال تساوي الأصوات يرجَّح الجانب الذي منه رئيس الجلسة، وللجنة حق الاستعانة بمن تراه مناسباً من ذوي الخبرة بهدف إنجاز مهامها، ويجب على جميع الوزارات وسائر الجهات العامة وغيرها من الجهات التي تتصل أعمالها بالانتخابات أن تنفذ ما يصدر عن اللجنة من قرارات.‏

مهام اللجنة القضائية العليا للانتخابات واختصاصاتها

وتتولى اللجنة القضائية العليا للانتخابات القيام بالمهام والاختصاصات الآتية:

أ ـــ العمل على حسن تطبيق أحكام قانون الانتخابات العامة.

ب ــ إدارة عملية انتخاب رئيس الجمهورية بإشراف المحكمة الدستورية العليا.

ج ــ الإشراف الكامل على انتخابات أعضاء مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية, وتنظيم جميع الإجراءات اللازمة لضمان حرية ممارستها وسلامتها ونزاهتها وشفافيتها ومراقبتها.

د ــ الإشراف الكامل على الاستفتاء الشعبي وتنظيم جميع الإجراءات الخاصة به وإعلان نتائجه.

هـ ـــ  تسمية أعضاء اللجان الفرعية، وتحديد مقراتها، والإشراف على عملها.

و ـــ  تسمية أعضاء لجان الترشيح الخاصة بانتخابات مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية، وتحديد مقراتها، والإشراف على عملها.

ز ـــ  الإشراف العام على إحصاء نتائج الانتخاب.

ح ـــ  إعلان النتائج النهائية لانتخابات مجلس الشعب.

ط ـــ التأكد من تحديث وتدقيق السجل الانتخابي العام قبل شهرين على الأقل من أي عملية انتخابية أو استفتاء شعبي.

أما بالنسبة للجان القضائية الفرعية, فهي لجان قضائية مؤقتة تشكل بقرار من  اللجنة القضائية العليا للانتخابات في كل محافظة قبل أي استحقاق انتخابي بخمسة عشر يوماً على الأقل, وتعمل تحت إشرافها, وينتهي عملها بإعلان النتائج النهائية لذلك الاستحقاق الانتخابي.

وتتكون اللجنة الفرعية من ثلاثة قضاة استئناف، ويتضمن قرار التشكيل تسمية ثلاثة قضاة احتياط بالمرتبة ذاتها يحل أي منهم محل القاضي الأصيل في اللجنة الفرعية عند غيابه وتحدد اللجنة القضائية العليا مكافآت اللجان الفرعية .

وتقوم اللجنة الفرعية بتنفيذ كل قرارات وتوجيهات اللجنة القضائية العليا وتشرف بشكل مباشر على عمل لجان الترشيح المتعلقة بانتخابات مجلس الشعب, كما تشرف بشكل مباشر على عمل لجان الانتخاب, ويجوز تشكيل أكثر من لجنة فرعية في المحافظة الواحدة بقرار من اللجنة القضائية العليا.

مهام اللجنة القضائية الفرعية واختصاصاتها

وتتولى اللجنة القضائية الفرعية القيام بالمهام والاختصاصات الآتية:

أ ــ تحديد مراكز الاقتراع قبل سبعة أيام على الأقل من يوم الانتخاب بالتنسيق مع الرئيس الإداري,‏ ويصدر الرئيس الإداري قراراً يتضمن تحديد تلك المراكز ويبلَّغ إلى اللجنة القضائية العليا فور صدوره.

ب ــ الإشراف المباشر على عمل لجان الترشيح المتعلقة بانتخابات مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية، وعمل لجان المراكز الانتخابية.‏

ج ـــ قبول انسحاب المرشح لانتخابات مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية .

د ـــ إعطاء الكتب المصدقة التي تمكّن وكلاء المرشحين من متابعة العملية الانتخابية ومراقبتها.‏

هـ ــ الإشراف على إحصاء نتائج الانتخاب الواردة من مراكز الانتخاب في الدوائر الانتخابية التابعة لها.

و ــ البت في الطعون التي تقدم إليها بشأن القرارات الصادرة عن لجان الترشح ولجان مراكز الانتخاب بقرار مبرم مكتسب الدرجة القطعية.

ز ـــ يجوز للجنة الفرعية ــ عند الضرورة ــ إلغاء أو نقل المركز الانتخابي وإعادة الانتخاب بالنسبة لهذا المركز في المكان الذي تحدده اللجنة.

ح ــ الإشراف على إعادة فرز الصناديق المعترض عليها يدوياً أو الكترونياً بحضور من يشاء من المرشحين أو وكلائهم أو وسائل الإعلام، وتنظم محضراً بذلك وفق نموذج خاص.

ط ــ الاستعانة بمن تراه مناسباً لإنجاز عملها ولاسيما لجهة استلام المحاضر وجمع الأصوات.

ي ــ إعلان النتائج النهائية لانتخابات مجالس الإدارة المحلية.‏

اختصاص القضاء بالفصل في الطعون الخاصة بصحة انتخاب أعضاء مجلس الشعب

وبالنسبة للأمر الثاني المتعلق بدور القضاء السوري في الإشراف على انتخابات أعضاء مجلس الشعب, فإنه يتمثل في اختصاص القضاء بالفصل في الطعون الخاصة بصحة انتخاب أعضاء مجلس الشعب.

ويبيّن الدكتور البحري أن المادة /57/ من الدستور السوري النافذ تنص على أن: «يُنتخب أعضاء مجلس الشعب بالاقتراع العام والسري والمباشر والمتساوي وفقاً لأحكام قانون الانتخاب».

وتقضي المادة /80/ من قانون الانتخابات العامة النافذ رقم /5/ لعام 2014 بأن: « تتولى اللجنة القضائية العليا إعلان نتائج الانتخابات النهائية لعضوية مجلس الشعب».

ونظراً لما قد يثار من شكوك بعد ختام عملية الاقتراع, والانتهاء من عمليات فرز وإحصاء الأصوات, وإعلان النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية, حول صحة انتخاب أحد المرشحين الفائزين بعضوية مجلس الشعب, إما بسبب عدم توافر شروط العضوية التي حدَّدها الدستور أو القانون الانتخابي, أو بسبب عدم سلامة أو نزاهة إجراءات الانتخاب ذاته؛ فإن دساتير الدول تحرص عادةً على تحديد الجهة التي تختص بالفصل في الطعون المقدمة بشأن صحة انتخاب أعضاء المجلس النيابي.

ويشير الدكتور البحري إلى أنه بالنسبة لموقف المشرع الدستوري من تحديد هذه الجهة, فإنه لم يشأ أن يسند مهمة النظر والبت النهائي في النزاعات والطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الشعب أو بصحة عضويتهم للمجلس النيابي ذاته, كما لم يشأ أن يسند هذه المهمة إلى البرلمان والقضاء معاً, بحيث تكون مهمة القيام بالتحقيق في الطعون من اختصاص القضـاء, أما مهمة الفصل النهائي في صحة العضوية, فتكون من اختصاص البرلمان وحده (كما فعل المشرع السوري في دستور عام 1973), وإنما أسند هذه المهمة برمتها (النظر في الطعون والبت فيها) إلى القضـاء, وتحديداً القضاء الدستوري, الذي تضطلع به المحكمة الدستورية العليا, حيث نصت المادة /66/ من الدستور السوري الصادر في سنة 2012 على أن: « 1ـ تختص المحكمة الدستورية العليا في النظر في الطعون الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس الشعب. 2ـ تقدم الطعون من قبل المرشح خلال ثلاثة أيام تبدأ من تاريخ إعلان النتائج، وتبت المحكمة بها بأحكام مبرمة خلال سبعة أيام من تاريخ انتهاء مدة تقديم الطعون».

وهذا ما أكَّدت عليه أيضاً المادة /33/ من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم /7/ لسنة 2014, حيث نصت على أن: « تتولى المحكمة البت في الطعون الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس الشعب وفق الآتي:

‌أ ـ يقدَّم الطعن من المرشح الذي لم يفز إلى المحكمة خلال ثلاثة أيام من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات، ويقيد الطعن في سجل خاص.

ب ـ يجب أن يكون الطعن مقدماً من محامٍ أستاذ.

‌ج ـ يقدَّم الطعن في مواجهة الأعضاء الفائزين عن الفئة ذاتها التي ينتمي إليها الطاعن، وبالدائرة ذاتها التي قدم ترشيحه عنها .

د ـ يجب أن يرفق مع الطعن الوثائق والأدلة التي تثبت جدية الادعاء.

‌هـ ـ للمحكمة الحق في الاتصال بالجهات المعنية بالعملية الانتخابية للحصول على ما يلزم من بيانات أو أوراق أو محاضر تتعلق بالانتخابات.

‌و ـ تصدر المحكمة حكمها خلال سبعة أيام من تاريخ انتهاء مدة تقديم الطعون ويكون قرارها مبرماً.

كما نصت المادة /34/ من قانون المحكمة الدستورية العليا على أنه: «إذا ثبت للمحكمة صحة الطعن الذي من شأنه أن يؤثر في نتيجة الانتخابات النهائية قرَّرت إبطال عضوية المطعون ضده».

ويتضح من ذلك أنَّ إبطال العضوية يتعلق بالمرحلة السابقة على انتخاب عضو البرلمان, أما إذا فقد النائب أحد شروط العضوية بعد إعلان انتخابه (كما في حال حمله جنسية أخرى إضافة للجنسية العربية السورية, أو فقدانه للجنسية السورية, أو تجريده من حقوقه المدنية والسياسية, أو حرمانه من ممارسة حق الانتخاب, أو الحكم عليه بجناية), فإنَّ الجزاء يكون بإسقاط عضويته (فالإسقاط يرد على الشيء الذي كان أصله صحيحاً، أما الإبطال فهو ملازم للشيء الذي لم يكن صحيحاً قط منذ ظهوره) .

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مصطلح « إبطال العضوية »  يختلف كليةً عن (إسقاط العضوية )؛ فإبطال العضوية يقوم لأن العضو لم تتوافر عنده شروط العضوية يوم الانتخاب, أو لأن عملية الانتخاب ذاتها قد شابها بعض الشوائب, أو لأن النتيجة التي أعلنت لم تكن معبرة عن الحقيقة. وهذا الأمر بحسب المادة /66/ من الدستور السوري النافذ لسنة 2012 هو من اختصاص المحكمة الدستورية العليا وحدها , حيث تنص المادة /87/ من قانون الانتخابات العامة رقم /5/ لعام 2014 على أن: « تعد عضوية أحد أعضاء مجلس الشعب شاغرة في إحدى الحالات الآتية:

‌أ ـ الوفاة‏ .

ب ـ الاستقالة‏ .

ج ـ فقدان أحد شروط الترشيح بموجب قرار المحكمة الدستورية العليا.

د ـ إسقاط العضوية وفقاً لأحكام النظام  الداخلي لمجلس الشعب.

وتنص المادة /89/ من قانون الانتخابات العامة النافذ على أنه: « إذا استنكف أحد الأعضاء الفائزين بعضوية مجلس الشعب عن أداء اليمين الدستورية، أو إذا قررت المحكمة الدستورية العليا إبطال عضويته بسبب الطعن في صحة انتخابه، يسمّى بمرسوم المرشح الذي يلي الفائز الأخير في قطاعه عضواً في المجلس », أي إنه لا يجرى انتخاب تكميلي (فرعي) لانتخاب عضو بديل.

أما إسقاط العضوية فإنه يقوم في أربع حالات محددة, وهذا الأمر هو من اختصاص مجلس الشعب وحده, حيث تنص المادة /244/ من النظام الداخلي لمجلس الشعب لسنة 2017 على أنه: «للمجلس إسقاط العضوية عن أحد أعضائه لأحد الأسباب الآتية »:

١ ــ إهانة الدولة أو رئيسها أو علمها.

٢ ــ الخروج عن المبادئ الأساسية المقررة في الدستور، أو الإخلال الواضح بواجباته بما لا ينسجم مع الاحتفاظ بعضويته.

٣ ــ الغياب الكامل عن حضور دورتين كاملتين في سنة واحدة بدون إذن .

٤ ــ ارتكاب جناية، أو جنحة شائنة، أو مخلة بالثقة العامة بمقتضى حكم مكتسب الدرجة القطعية.

وبحسب المادة /87/ من قانون الانتخابات العامة المذكور تعد عضوية أحد أعضاء مجلس الشعب شاغرة في حال إسقاط العضوية عنه, ويجب على رئيس مجلس الشعب ـ بحسب المادة /88/ من قانون الانتخابات العامة النافذ ـ أن يُعلِم رئيس الجمهورية بذلك ليصار إلى انتخاب بديل عنه. هنا يتم إجراء انتخاب تكميلي خلال ستين يوماً من تاريخ شغور العضوية، على ألا تقل المدة الباقية للمجلس عن ستة أشهر, وتنتهي عضوية العضو الجديد بانتهاء مدة المجلس.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار