ضوابط تمويل الحملات الانتخابية في التشريع السوري
تعد ( الحملة الانتخابية) أحد الأنشطة الرئيسة في العملية الانتخابية، وهي حق للمرشَّح ينظمها قانون الانتخاب، تهدف إلى إتاحة الفرصة للمرشح للتعريف بنفسه للناخبين وطرح أفكاره وتوجهاته وبرنامجه الانتخابي لمجتمع الدائرة الانتخابية بشتى الوسائل التي يسمح بها القانون (كتوزيع برامج أو منشورات أو إعلانات أو كتيبات أو غير ذلك من وسائل الدعاية الانتخابية بالطرق كلها، بما في ذلك وسائل الإعلام الإلكترونية والمقروءة والمرئية والمسموعة) ليحظى بتأييد الناخبين وتصويتهم له سعياً للفوز في الانتخابات، وتتيح الحملات الانتخابية كذلك للناخبين الاختيار الأنسب والأصلح من بين المرشحين أو من بين القوائم الانتخابية.
ويبين الدكتور حسن مصطفى البحري- أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة دمشق لـ “تشرين” أن الحملة الانتخابية بالتعريف هي: (مجموعة الأنشطة التي يقوم بها المرشح أو الحزب السياسي, بهدف إمداد الجمهور والناخبين بالمعلومات عن برنامجه وسياسته وأهدافه، ومحاولة التأثير فيهم بكل الوسائل والأساليب والإمكانات المتوفرة من خلال جميع قنوات الاتصال والإقناع, وذلك بهدف الحصول على أصوات الناخبين وتحقيق الفوز في الانتخابات)، مضيفاً أن المشرع السوري قد أجاز للمرشح سواء للانتخابات الرئاسية أو لانتخابات عضوية مجلس الشعب أو مجالس الإدارة المحلية بعد قبول ترشيحه بشكل نهائي وإعطائه إشعاراً بذلك، أن يذيع نشرات بإعلان ترشيحه ويوزع بيانات ويلقي خطابات ويقيم مهرجانات يوضح فيها خطته وأهدافه وكل ما يتعلق ببرنامجه الانتخابي.
وتتسع النشاطات المتاحة للمرشح للتعريف بنفسه أو تضيق في قانون الانتخاب وفقاً للاعتبارات التاريخية والدينية والسياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والثقافية وغيرها في الدول، وبناءً على ذلك فإن المشرع هو الذي يقيد تلك النشاطات ويقرر مشروعيتها من خلال رؤيته بما يحقق المصالح من دون المساس بحق المرشح في التعريف بنفسه، ورغم أهمية الحملات الانتخابية ومشروعيتها، إلا أنها تُعد أيضاً من أهم المحاور التي تتطلب اهتماماً وتنظيماً، فتركها بلا تنظيم أو مطلقة بلا قيود، يتيح مجالاً للخروقات والاعتداءات والتجاوزات التي قد لا تتاح للمتربصين باستغلال الفرص في غيرها من الفعاليات، خصوصاً إذا ما رافق ذلك قلة في الوعي والخبرة وحداثة التجربة الانتخابية، وفقاً للدكتور البحري، مبيناً أن تنظيم الحملات الانتخابية حاجة ملحة لا تتعارض مع أي من مبادئ الحريات أو الحقوق، بل إن فيها صوناً للحريات وحماية للحقوق ودرءاً للمفاسد التي قد تنشأ عن العشوائية والفوضوية والسلوكيات اللا مسؤولة، وتجارب الدول تؤكد ذلك، وتحض عليه، فضلاً عن ذلك فتنظيم الحملات الانتخابية بقانون الانتخاب يكرس احترام قواعد الأديان السماوية، ومراعاة النظام والقيم والعادات والثوابت والرموز، كما يحد من تشويه الصورة الجمالية للمدن والقرى والشوارع العامة.
وبما أن ضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية تعد الأولوية الكبرى لضمان الثقة في العملية الانتخابية والاعتراف بنتائجها, فقد نصت المادة /61/ من الدستور السوري لعام 2012، وفق توضيح الدكتور البحري، على أنه: (يجب أن يتضمن قانون الانتخاب الأحكام التي تكفل تحديد ضوابط تمويل الحملات الانتخابية وتنظيم الدعاية الانتخابية واستخدام وسائل الإعلام)، وبناء عليه, تولى قانون الانتخابات العامة رقم /5/ لسنة 2014 في الفصل السابع منه (المواد: من 48 حتى 58) تحديد ضوابط تمويل نشاط الحملات الانتخابية للمرشحين, سواء تعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية أو بانتخابات عضوية مجلس الشعب أو مجالس الإدارة المحلية, وذلك بهدف الحد من تأثير استخدام الأموال على نتائج الانتخابات المختلفة, فضلاً عن ضمان مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين كافة .
ويقول أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة دمشق: يمكن توضيح ضوابط تمويل نشاط الحملات الانتخابية في التشريع السوري من خلال المطلبين الآتيين :
الأول : الضوابط المتعلقة بوسائل الحملة في الدعاية الانتخابية
الثاني : الضوابط المتعلقة بموارد تمويل نشاط الحملة الانتخابية
الضوابط المتعلقة بوسائل الحملة في الدعاية الانتخابية
تهتم قوانين الانتخابات في دول العالم المختلفة بتنظيم الحملة الانتخابية للمرشحين, مستهدفة بذلك الحفاظ على المظهر الديمقراطي والحضاري للعملية الانتخابية, وفي سبيل تحقيق ذلك تنص على حظر العديد من أنماط السلوك التي قد يلجأ إليها البعض أثناء الحملة الانتخابية, والعقاب على ارتكابها بعقوبات جزائية، وبناء عليه, فقد نصت المادة /50/ من قانون الانتخابات العامة النافذ على أن: « يلتزم المرشحون من الأفراد والأحزاب السياسية مع عدم الإخلال بحقهم في الدعاية لبرامجهم بما يلي:
أ ــ عدم الطعن بالمرشحين الآخرين، أو التشهير بهم، أو التحريض ضدهم، أو التعرض لحرمة الحياة الخاصة بهم .
ب ــ المحافظة على الوحدة الوطنية وعدم تضمين الدعاية الانتخابية أي دلالات مذهبية أو طائفية أو إثنية أو قبلية.
ج ــ عدم تضمين الدعاية الانتخابية ما يخالف النظام العام أو الآداب العامة.
د ــ عدم لصق أو تثبيت أو عرض الصور والبيانات والنشرات الانتخابية خارج الأماكن المخصصة لها من قبل الجهات المحلية المختصة.
ويشير الدكتور البحري إلى أن المادة /53/ من القانون المذكور منعت المرشحين من تسخير أو استخدام الوظيفة العامة أو المال العام في حملاتهم الانتخابية بأي شكل من الأشكال. ولا تدخل في ذلك الأمكنة التي تضعها الدولة ووحدات الإدارة المحلية تحت تصرف المرشحين والأحزاب السياسية، مضيفاً: وإذا كانت المادة /52/ من القانون المذكور قد نصت على أن الاجتماعات الانتخابية حرة، ولا يجوز فرض أي قيود على عقد هذه الاجتماعات، شريطة إخطار وزارة الداخلية أو أي من وحداتها الشرطية قبل عقد الاجتماع بأربع وعشرين ساعة على الأقل، إلا أنها فرضت على المرشحين التزاماً بعدم إقامة المهرجانات أو عقد الاجتماعات العامة في دور العبادة أو جوار المشافي.
ويلاحظ هنا أن الفصل الرابع عشر من قانون الانتخابات العامة السوري المتضمن عقوبات جرائم الانتخابات, لم يتضمن عقوبة محدَّدة للمرشَّح الذي يقوم بإقامة المهرجانات أو عقد الاجتماعات العامة في دور العبادة أو جوار المشافي !!
فيوضح الدكتور البحري: من جانبنا فإننا نعتقد أن عدم التزام المرشح بالحظر الوارد في المادة /52/ يعطي الحق للجهات المختصة بفض هذه الاجتماعات أو إلغاء تلك المهرجانات بالقوة عند الضرورة.
الضوابط المتعلقة بموارد تمويل نشاط الحملة الانتخابية
تطرقت أغلب القوانين الانتخابية إلى الجهات التي يمكن من خلالها تمويل الحملة الانتخابية واتفقت جميعها على ألا تكون الجهة الممولة جهة أجنبية .
وبناء عليه, يضيف أستاذ القانون الدستوري: فقد نصت المادة /54/ من قانون الانتخابات العامة النافذ على أن : (يحظر على المرشحين أو الأحزاب السياسية تمويل نشاط الحملة الانتخابية بأي مبلغ نقدي أو مساعدات عينية أو هبات أو تبرعات أو مساعدات من مصدر خارجي أو أجنبي بشكل مباشر أو غير مباشر تحت طائلة المساءلة القانونية).
وتطرقت المادة /55/ من القانون ذاته إلى المصادر التي يمكن من خلالها تمويل الحملة الانتخابية, فنصت على أنه: (يجوز للمرشحين أو الأحزاب السياسية تمويل نشاط الحملة الانتخابية من المصادر الآتية: أ ــ المساهمات المالية الخاصة بالمرشحين. ب ــ الدعم المالي من الأحزاب ).
كما بيَّنت المادة /56/ من قانون الانتخابات العامة المجالات التي يمكن أن يستخدم فيها المال المخصص لأغراض الحملة الانتخابية, وهي الآتية :
أ ــ تطوير الوسائل والقدرات الفنية التي تمكّن المرشح أو الحزب السياسي من إعداد ونشر برنامجه الانتخابي.
ب ــ تصميم وطباعة ونشر الإعلانات والملصقات و الكتيبات وغيرها من وسائل الحملة الانتخابية، وتوزيعها بالطرق كافة، بما في ذلك وسائل الإعلام الإلكترونية والمقروءة والمرئية والمسموعة.
ج ــ مكافآت وأجور الأشخاص المعتمدين من المرشح أو الحزب السياسي لتنفيذ نشاط الحملة الانتخابية.
د ــ إيجارات المكاتب والمقار المستعملة لأغراض الحملة الانتخابية.
هـ ــ تكاليف الأدوات المكتبية والمحروقات وأجور العربات ووسائل النقل والتغطية الإعلامية ونفقات الضيافة لأغراض الحملة الانتخابية.
وأوجبت المادة /57/ من قانون الانتخابات العامة على المرشحين كافة تقديم حساب ختامي عن إيرادات ومصروفات حملاتهم الانتخابية, إذ نصت على أنه :
أ ــ على كل مرشح للانتخابات الرئاسية تقديم حساب ختامي عن إيرادات ومصروفات حملته الانتخابية إلى المحكمة الدستورية العليا خلال موعد لا يتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان النتائج النهائية للانتخابات.
ب ــ على كل مرشح أو حزب سياسي لانتخابات مجلس الشعب تقديم حساب ختامي عن إيرادات ومصروفات حملته الانتخابية إلى اللجنة العليا (اللجنة القضائية العليا للانتخابات) خلال موعد لا يتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان النتائج النهائية للانتخابات.
ج ــ يجب أن يبيِّن الحساب الختامي المقدَّم بموجب أحكام الفقرتين السابقتين الأموال كلها التي تم استخدامها في الحملة الانتخابية ومصادرها، على أن يكون ذلك الحساب مدققاً من محاسب قانوني بالنسبة للأحزاب السياسية.
ويلاحظ هنا، يقول الدكتور البحري: إن الفصل الرابع عشر من قانون الانتخابات العامة السوري المتضمن عقوبات جرائم الانتخابات, لم يتضمن عقوبة محدَّدة للمرشَّح (سواء للانتخابات الرئاسية أو لانتخابات مجلس الشعب) الذي لا يلتزم بتقديم حساب ختامي عن إيرادات ومصروفات حملته الانتخابية إلى الجهة المختصة ( سواء كانت المحكمة الدستورية العليا أو اللجنة القضائية العليا للانتخابات ) خلال الموعد المحدَّد !!
وكان بإمكان المشرِّع السوري أن يتدارك مثل هذا النقص من خلال إضافة النص المقترح الآتي: (كل مخالفة لأحكام هذا القانون لم يُنصّ على معاقبتها, يُعاقب مرتكبها بغرامة تتراوح من خمسين ألف ليرة سورية إلى مئة ألف ليرة سورية وبالحبس من عشرة أيام إلى ثلاثة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين).