أعيدوا لنا ما مضى، ونعدكم أننا لن نُكرِّر ما قاله «جان بول سارتر» من أن «الجحيم هو الآخرون»، إذ بتنا نكره أنفسنا ونحن نتغاضى عن فضائل الجَمَال والمحبة، وننظر إلى الآخر على أنه مُجرَّد ناقلٍ محتملٍ للعدوى، أو في أحسن الأحوال «مريضٌ مؤجَّل»، والمصيبة أن استعادة توازننا النَّفسي ما بعد الكورونا ليس بالأمر الهَيِّن، فبعد الخوف من الآخر الذي وصل حدود «الرُّهاب»، و«الفصام» عن ذواتنا بهذا الشكل غير المسبوق الذي جعلنا نعيش قصيدة «محمود درويش» عندما نظر إلى نفسه في المرآة وقال «هو خائف وأنا كذلك»، وبعد إحاطة أجسادنا بكل هذه «العَقامة» المُبالغ فيها، كيف سنستعيد حرارةَ لهفتنا القديمة للعناق، وشغفنا السابق بتقبيل من نحب، أو على الأقل حميمية مصافحتنا وصِدْقها ودفئها؟ وما السَّبيل لإزالة تردُّدنا في الإقبال على الآخر وتطويقه بحنان إنسانيتنا وعدم اعتباره خطراً علينا؟ وأيضاً ما هي الطريقة لإعادة اعتبار البيت مكاناً للراحة والأمان، بعيداً عن كونه غُرَفَ حجرٍ صحيٍّ تُمَرْمِرُ انتظاراتنا؟ وكيف سنستثيغ مرَّةً أخرى اجتماعات العمل، ولقاءات المقهى والمسرح والسينما وغيرها، من دون الارتياب بقدرة مناعتنا على اجتيازها بسلامة على اعتبارها بؤراً خطرة؟
والأهم هل سنقبل فكرة أننا أحرار خارج إطار شاشات هواتفنا الذكية وكمبيوتراتنا من دون أن يوقفنا «الشرطي الصحّي» عند أول مفرق؟ وكيف سنوارب منظومتنا الأخلاقية الجديدة، وأوهامها، وارتيابها، بحيث نتعقَّل ونقتنع ونتيقَّن من أن ارتفاع حرارتنا ليس وصمةً «كورونيّة»، بل ناجم عن شدَّة الوجد والاشتياق لما كنّا عليه، وأن عُطاسنا ليس هجوماً فيروسياً عنيفاً وإنما تحسُّسٌ ربيعي بسيط، بينما سُعالنا المديد فنتيجة واضحة لرداءة الهواء المحيط بعيداً عنكم؟ لكم محبتي.