الإنسانية تقول: كفى!

جاء يوم الشعر العالمي، في مرحلة ليست شعرية على الإطلاق.. كأن الكلمات أصيبت بالوباء وأصبحت غير قادرة على رفع معنويات البشر المشغولين برغيف الخبز وسوائل الكلور وتخزين المعلبات.. وكان السؤال دائماً يتمحور حول قدرة العبارات في أن تفعل شيئاً أمام هستيريا الرعب التي تعمّ العالم؟. هل يمكن أن نهدي المرضى نصوصاً تشبه المضادات الحيوية عندما تتعذر اللقاحات وتصبح الأدوية عاجزة عن ترميم الروح البشرية التي تتحطم اليوم على صفيح الحضارة الهشة التي أوغلت في الاستهلاك؟.
في خطابات القادة وتعاليم الأطباء وعجز العشاق عن التواصل، كانت العبارات هي العزاء الأخير الذي يمكن تقديمه للضحايا كي يقبلوا بالقدر من دون اعتراض، أو ليبرروا ما فعلت أيديهم طوال سنوات من ترك الإنسانية بلا مأوى.. وربما يتفرغ لاحقاً النقاد والأطباء النفسيون لتحليل الكلمات التي قيلت في هذه المرحلة وإجراء المقارنة بينها، فهي تكشف جانباً مظلماً مما يجري هذه الأيام..
في إيطاليا، وقف الناس على «البرندات» ليغنّوا القصائد المتفائلة كخيار أخير في هذه المواجهة الحاسمة مع الموت.. في الصين، تبادلوا عبارات التضامن والإصرار على النجاة عبر وسائط التواصل الاجتماعي.. وفي أماكن أخرى، صرخ الناس بعبارات النجدة من الشبابيك بعدما تحولت الأحياء إلى مدن أشباح.. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن الكلمات يمكن أن تمرض أيضاً وتذهب إلى مخابر التحليل كي تعرف نسب الأوكسجين والأكسدة التي تحملها.. في الحروب والانتصارات وأثناء انتشار الأوبئة والكوارث، كان للكلمات دورها في رفع معنويات البشر وتقوية شعورهم بأن هناك ما يستحق الصبر لأجل الاستمرار..
جاء يوم الشعر العالمي، والبشرية مثخنة بإبر الالتهاب والكريات البيض التي تكافح بضراوة لكي تنقذ ما يمكن إنقاذه.. وكان السؤال دائماً يتعلق بقدرة الكلمات على ترك أثر نبيل في الموبقات التي أوصلت البشرية إلى هذه المرحلة التي لم تعد تجدي معها أقوال ولا أفعال.. وبالعودة إلى مقولة للثائر غيفارا، سنعيد العبارة نفسها في مواجهة ما يجري الآن: «هذه الإنسانية تقول اليوم: كفى!».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار