الله وكيلكم، لم أعرف أن أول البارحة كان اليوم العالمي للسعادة إلا بعد انتهائه، وعلى ما يبدو أن «روزنامتي» لم تذكرني به، ولا حتى تقاويم «الفيسبوك» و«تويتر» و«اللينك إن» وغيرها، لسبب بسيط، لا يتعلق بكوني لا أعطي السعادة أي أهمية في حياتي، بل لأنني أعيش تفاصيلها باستمرار، ولا ألبث أن أنتهي من سبب حتى تبرز لي أسباب، ومنها أنني بدأت أتعرف إلى زوجتي وولديّ وأمي من جديد، بِحُكْمِ الحجر الصحي الذي فرض وجودهم المفاجئ في حياتي كل هذا الوقت، أضف أنني بدأت أتلمَّس إيجابيات العزلة التي كنت أبغضها وحيداً، وصرت أعشقها جماعةً، والجميل في الأمر أن كل شيء بات له معنىً مغاير، أنقى وأجمل: المسلسلات السطحية التي تخلو من أي هدف أو مغزى، وأغاني «الهشتك بشتك» وموسيقا «الزيق ميق»، وأفلام هوليوود التجارية البائسة فكرياً، حتى برامج «التربوية السورية» صار لها ألق جديد ومتعة متجددة، فما بالكم برسالة دور الغاز الذي يتقدم ببطء، وساعات مجيء الكهرباء التي تزين وجودنا ببهاء طلَّتها، والخبز الطازج، و«بسطات» الخضار، وأُلفة الوجوه، ولهفة العناق المُؤجَّلة، والاشتياق الكامن في العيون للقُبَل.
تخيَّلوا صرت في زمن «الكورونا» أتمعَّنُ في معنى وجودي من خلال عيني السمكري الذي أصلح خزاني البلاستيكي الذي ثقبته رصاصة فرح، وصرت أغار من يناعة وجنتي بائع النعناع والبصل الأخضر، وأتملَّى ما استطعت من وجدانيات الحلّاق، وآلام طبيب الأسنان المنسية، ونكهة البن الطازج، كما صرت أتسلَّى بتقشير الثوم، وحفظ ابتسامة أمي في ذاكرتي المديدة، وتكثيف الفرح في وجه ابنتي، وتعزيز النغم في ضحكة ابني، وأتلهّى بتلطيف الزَّمن على قَسَماتِ وجه جيراني بالنّكات والغزل المجاني وأقاصيص الأمل.
تخيَّلوا أيضاً أنني أوشكت على شكر «كورونا»، ومن بعده الحكومة، على هذه الإجازة التي جعلتني أكثر سعادةً ومعرفةً واطمئناناً على نفسي وعلى من أحب.