دهمني الأرق ليلة أمس من دون سبب… وقد خرجت إلى الشرفة لعلي أبدد قلقي، فليس ثمة ما يقلقني.. راتبي التقاعدي يكفيني، ويزيد.. وبرميل مازوتي معبأ حتى الشفّة.. كما أن براد البيت عندي متخم بأحلام اللحمة والجبنة واللبنة والسمن البلدي، وزيت الزيتون والفواكه والخضار والبيض.. يعني كتّر الله خير الحكومة.. كل شيء رخيص، ومتوفر.. وبغض النظر عن قلقي الطارئ يوم أمس، ما زلت على قول أبي الطيب المتنبي: «أنامُ ملء جفوني عن شواردها… ويسهرُ الخلقُ جرّاها ويختصمُ»…
وقد فوجئت، وأنا أقف على شرفة قلقي، بأن جاري مسعود بن سعيد المسعودي، وهو موظف، ينام في موعد نوم الدجاجات، ويستيقظ مع صياح الديك.. وشرفته تبعد نصف متر عن شرفتي، يقف رافعاً يديه نحو الغيوم التي تتكدس كل يوم في سماء مدينتا، ولا تهطل، ويتلو دعاءً مرتجلاً، استطعت التقاط بعضه… ومن أقواله: «اللهمَّ ألهمْ حكومتنا بزيادة رواتبنا.. اللهمَّ، ويسر لنا وسيلة المواصلات التي توصلنا إلى شغلنا آمنين.. وألهم السائقين ألا يكونوا في أجورهم طمّاعين.. ووسِّع مركباتهم وعدد مقاعدهم كي نكون من الجالسين.. ويسِّر مرورهم، كي نصل في الوقت المناسب، فلا تُكْتبُ أسماؤنا في جداول المتأخرين»..
«اللهم ألهمْ موزع المازوت أن يمرّ فيملأ برميل مازوتي.. ولا تكتبني هذا الشتاء مع البردانين… اللهم، واهدِ البائعين كي لا يرفعوا أسعارهم على هواهم، عسى أن نظل من رواد الدكاكين.. اللهم نجنا من النصابين والمحتالين والفاسدين والمهربين، واحرق، يا كريم, يا رحيم، المضاربين بالعملة الصعبة، والمحتكرين.. اللهم قوّي قطاعنا العام.. وخفف عنا غلو الليبراليين..
اللهم، ولا تجعلني من القانطين.. بل من المتفائلين الصابرين يا أرحم الراحمين.. آمين.