البشرية تنقع نفسها بـ «الديتول»

بعد تاريخ طويل من الجشع والكراهية واستعباد الشعوب، تنقع البشرية نفسها بـ«الديتول»، وتغطي آثامها بالمحارم ومساحيق «التاتش»، ثم تلبس قفازات كي يبقى القاتل مجهولاً بلا بصمات.. البشرية التي اخترعت المركبة الفضائية والانترنت ووصلت المريخ، ينال اليوم منها ميكروب صغير لا يُرى بالعين المجردة، «يمرمطها» ويمسح الأراضي بسلم القيم الذي اخترعته الرأسمالية كي تبلع الخيرات معتقدة أن ذلك سيتم من دون محاسبة ولا رقيب.. وكانت المفارقة أن تتسبب جرثومة صغيرة بحجم رأس الدبوس أو أصغر، بجعل التساوي بين البشر أمراً ممكناً بلا تمييز بين فقير وغني أو بين هندي وآسيوي أو أوروبي وأفريقي.. البشرية تخرج اليوم مثل دراكولا من مستنقع الحروب والكراهية وسرقة خيرات الآخرين، أيديها ملطخة بالدماء وجسدها مثخن بالخطايا.. ولا أحد يعلم إن كان «كورونا» سيشكل صحوة للإنسانية، أم سيخضع هو الآخر لقانون السوق والمتاجرة بالناس حتى آخر رمق!.
العشاق يتبادلون القبل من وراء الكمّامات.. المقاهي والشوارع وقاعات الاجتماعات، تصفر فيها الريح.. حيتان الاقتصاد والساسة العالميون يحدقون بدهشة من خلف الزجاج وهم يشاهدون مملكتهم تنهار بغمضة عين.. هل كنا بحاجة إلى كل هذا الانهيار كي نتأكد أن هناك مشكلة في أساسات البناء؟.
يقولون: إن البشرية تحتاج كل مئة عام إلى وباء كي تصحو، ولأنها اعتادت التأسيس المحترف للأمراض، ستنفق كل ما ادخرته كي تنجو وتعيد الكرّة ثانية كأن شيئاً لم يكن!. فمن الطاعون والجدري والكوليرا وأنفلونزا الخنازير وغيرها كثير، إلى السيد كورونا الأكثر خبرة بين إخوته الآخرين، ارتكبت البشرية المظالم ذاتها ثم عادت إلى النقطة نفسها عندما كان الانهيار نتيجة حتمية لما سلّفته في حياتها القصيرة مقارنة بعمر الكون!.
يقولون, في الأزمات، تظهر معادن الناس على حقيقتها، وهكذا يظهر الآن تجار الكمّامات والمعقمات عندما يعقدون صفقتهم الأخيرة مع الموت.. هذه البشرية باتت بحاجة إلى نقع بـ «السبيترو» كي تخرج يانعةً نقيةً للضوء!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار