زارني، فيما أنا نائم، الشاعر امرؤ القيس، فسألته: أأنت القائل: «قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ».. أجاب: «أنا هو..جئتك بعدما نُمي إلي أنك أنشأتَ قصيدة تعارض فيها معلقتي.. فهات وأسمعني ما كتبت»… ارتعشتُ مهابةً من زائري، وقلت: «إن هي إلا أضغاث أحلامٍ كتبتها من ألمي!..».. فرفع يده وقال: «قد جئتك لِتُسْمِعْني»… وقد لبيت طلبه بخوف تلميذ صغير يرتجف.. وتلوت:
«قفا نشكُ من ذكرى غلاءٍ ومنزلِ/ بعيدَ المنُى، صعب المنالِ، مُدلّلِ// أويومَ دخلتُ السوقَ، سوقَ بضاعةٍ/ فقالت لك الويلات، إنك مبتلِ// معاشكُ بعضٌ من دياري، وكلما صرفتَ، طلبتُ السعرَ منك بجردلِ/ وقلتُ لها مهلاً، فإني موظفٌ/ معاشي قليلٌ، ويح جيبي، فأجملِ// أغرَّكِ مني أن علميَ واسعٌ/ وأنكِ مهما تأمري الجيب، يفعلِ// ولست سوى شارٍ يرومُ تستراً/ ببعضِ الثيابِ الدافئاتِ لهيكلي// فقالت: تنحَّ عن طريقي، وألمحَتْ/ إلى سوق أثوابٍ قريبٍ مكللِ// هناك لك (البالاتُ) فيها مواضعٌ/ رخيصٌ معانيها، تليق بمعْيلِ// فقلتُ له لمّا تمطّى بسعره/ وأردف أثماناً، تنوءُ بكلكلِ// ألا أيها السوقُ العنيد ألا استحِ/ برخصٍ، وما التموين منك بأمثلِ// مذلٌّ، مخلٌّ، فاضحٌ، مفلسٌ معاً/ كجلمود (بنْكٍ) حطَّه القرضُ من علِ// تطاولَ حتى قلت ليس بمنقضٍ/ وليس الذي يرعى (الأسعار) بمعدِلِ»…
تأملني مضيفي قليلاً ثم قال: «ويحك… في بعض أبياتك كَسَرت الوزن، ولحَنْتَ، وشططت».. وأجبته: «والله ما فعلت هذا إلا أسوة بأسواقنا وأسعارها، مقارنة مع دخولنا.. و.. و…» وهنا رفع امرؤ القيس يده ليقول كلاماً.. وعند ذاك.. استيقظت!..