اللُّحمة السورية قدرٌ وليست خياراً

لكل المشكّكين في نظرية المؤامرة، وللأكاديميين والمهتمين بالقضايا الإنسانية، فإن الحرب على سورية أظهرت -ومن دون خجل- عناوينها وأهدافها التي تطمح لتحطيم وحدة ترابها الوطني ووحدة مجتمعها، وتفكيك جيشها وتدمير قدراتها الاقتصادية وحيويتها الاجتماعية والثقافية..
وتحقيق أهداف كهذه لابدّ من أنه «سيلغي» وجود الدولة العربية المقاومة الأولى، لكنّ سورية استطاعت فرض حضورها القومي والعروبي، واتخاذ المقاومة من أولويات الاستراتيجية في نهجها السياسي الذي عماده الدولة السورية، فكانت المقاومة الشاملة ككلٍّ متضافر مناقض تماماً للمقاومات الجزئية، وكان الاصطفاف السياسي ذو التكوين العروبي وفق أولوية معيارية «الصراع مع الكيان الصهيوني والإمبريالية العالمية».
الاصطفاف الصريح المحدّد والمعلن، إذ تجتهد الدولة السورية -في ضوء الممكن- في تحقيق ما أمكن من خطوات عملية أثمرت تصدّرها كدولة ممانعة ومقاومة عربية بامتياز، مع الأخذ في الحسبان الموقع الجيو- سياسي الاستراتيجي المهم الذي لطالما دفع المتآمرين لتجتمع أطرافهم وأهدافهم وأمنياتهم بإعلان حرب دامت أكثر من ثماني سنوات.
ثماني سنوات استُهلكت فيها الأماني والأهداف الرامية إلى تحقيق الاستنزاف والتقسيم لوحدة الأراضي السورية، وقد استطاعت المؤسسة العسكرية فرض حضورها الاستثنائي في مواجهة قوى خارجية استثمرت ما أمكن من إمكانات وأسلحة وأدوات إرهابية مارست فصولاً متنوعة من الإجرام والقتل والتهجير بحقّ مواطنين مدنيين، غفلت عنهم المنظّمات الحقوقية الأممية المسيّسة لخدمة مصالح واشنطن وربيباتها من الدول الغربية، الذين كان لهم الحضور الواضح بتبني ما يسمى «الربيع العربي»، الذي يعبّر عن حقيقة تورط نهجهم السياسي التخريبي البعيد كل البعد عن نشر السلم والأمن والأمان.
لقد استطاعت الدولة السورية تحقيق النصر والالتزام بخوض المعركة حتى النهاية، تأكيداً لشرعية خطواتها المكفولة بالقوانين الدولية والضامنة لسيادة الدول ومشروعية دفاعها عن أمنها وأمانها.
وتطابق المسار العسكري تماماً مع العمل على المسار السياسي وفق رؤى القيادة، ممثلةً بشخص رئيس الجمهورية، فكانت المصلحة الفضلى للوطن وسيادته ووحدته، وتبنّي الجماهير تحت لواء المواطنة والولاء للدولة السورية بخطوات تلازمت مع وقع خطا بواسل الجيش العربي السوري، وتعددت صورها فكانت أنموذجاً وطنياً بامتياز يسهم في استعادة التكافل الاجتماعي الذي عملت على تفكيكه أدوات العدوان الغاشم على سورية، أرضاً وشعباً.
وفي إطلالة الرئيس الأسد مؤخراً على «أثير» الإعلام السوري، كان الحديث عن الحالة الشعبية المقاومة للاحتلال في الشمال السوري، التي هي حالة شعبية وطنية تقوم بالدور الطبيعي المقاوم للفظ الاحتلال بكل أشكاله، وكان أيضاً تركيز الرئيس الأسد على الأجيال الذين نشؤوا في ظل الحرب، وتحت وطأة الجماعات المسلّحة، وتربوا على مفاهيم مزيّفة ومتطرّفة، ولا يعرفون ماذا تعني الدولة والوطن أو القانون، والذين لابدّ من دمجهم مع النسيج السوري واستيعابهم ضمن المنظومة الوطنية، لتحقيق اللُّحمة الوطنية التي ليست خياراً، وإنما قدر الدولة السورية.
فالنصرُ أيضاً لا يتجزّأ، ومن أجل تحقيقه سيكون إكليل الغار من نصيب الميدان السوري وقاعات المؤتمرات السياسية التي يوحّدها الحوار (السوري – السوري)، ونسف الإشكاليات التي من الممكن أن تهدّد الهوية الوطنية في ظلّ تحديّات الحرب على سورية من خلال التكاتف والتسامح وترسيخ صور الولاء والانتماء للوطن، في ظل عقد اجتماعي ينظّم الهويّة السورية وفق رؤى القيادة السياسية وطموح الشارع السوري.

m.albairak@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار