مابين التصريح السياسي والتهريج!
قالوا: في النكتة يمكننا كشف نفسية متلقيها من خلال ردة فعله، فضعفاء الشخصية تهزهم النكتة..!
واللافت اليوم وصول بعض التصريحات السياسية لمرحلة التأطير والمثول تحت عناوين فضفاضة تصل حدّ التهريج وقد باتت نكتة سياسية، ضعفاء الشخصية فقط هم من تهزهم تصريحات كهذه، إذ باتت المنابر الافتراضية منصة للقال والقيل، تسوّغ وبجدارة القيمة المالية المفروضة على أثير البث التلفزيوني والإعلامي، فمثل تلك التصريحات لها ثمن ليس بالقليل..!
وأمام كل هذا الضخ الكبير للتصاريح السياسية يكون مشروعاً السؤال: ما الفرق بين التصريح السياسي والتهريج؟
هنا نجد أن من واجبنا التذكير ببدهيات الخطاب السياسي الذي ينمّ عن ثقافة ودقة وسعة مطلقة، وتكون لغته من صلب اللسان السياسي بمفردات تلهم القارئ أو السامع، وتجعله مقتنعاً بمدلول النص ومدافعاً عنه إذا اقتضى الأمر.. ليصير خاضعاً للنقد البناء ودراسة الاختصاصيين، فقد بات الخطاب السياسي شكلاً من أشكال الثقافة، وإن تميز بمنظومة خصائص متعلقة بـ(التنظيم والتنظير)، ذي البنية المتينة بتماسك وترابط لغوي يعتمد البلاغة اللغوية، ما يجعله يرقى للوصول إلى فرع من فروع الثقافة، عكس التهريج السياسي، الذي هو تعبير عن لا شعور يمليه الحنق، ويصوغ مفرداته الحلم، وينتهي إلى رغي وزبد، ولاسيما إذا ما كان التصريح مدفوع الثمن.. وهو ما صار «موضة» العصر، ظن بعضهم أنه يحقق حضوراً يأمله الساسة بمصالح واهنة ويألفه الشارع الافتراضي، بينما ظنه آخرون (تعليقاً عابراً) سيمر مرور (ومضة) إلكترونية، لذلك كان الاستخفاف والاستهتار أمام الكاميرات وعدسات الأجهزة الذكية.
وأياً كانت اللهجات الخطابية السياسية الموجهة نحو «الوطن سورية» فإننا على يقين بأن الثقل السياسي لأي دولة تحدده نوعية التعاطي مع القضايا بشكل يخدم الأطراف المعنية، ليصير الثقل السياسي مؤثراً من خلال الأداء السياسي المحنّك، بما يحميه من براثن التحول لوحل الديماغوجية.
أي نعم شاركت قلة من السوريين بتدمير بلدها، لكن الحرب على سورية كسرت السلاح الأمريكي، وحطّمت أسطورة الجيل الرابع التي سبق أن ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية وحققت لها انتصارات مذهلة بلا خسائر، وإذا كان (الربيع العربي) نسخة مطورة من السلاح القذر الذي اعتمدته واشنطن في أمريكا الوسطى وإفريقيا والوطن العربي، فقد لقي حتفه في سورية، رغم استقواء أمريكا بأدوات محلية جندتها تحت لواء التنظيمات الإرهابية الدخيلة لمقاتلة الجيش الوطني الذي يعاديها، ولا يوافق على مشروعاتها، ورغم عملهاعلى تطويع فرق مدنية تابعة وعميلة للدبلوماسية الغربية تسميها (معارضة معتدلة)، مهمتها تغطية العنف والقتل والتدمير الذي تمارسه واشنطن من دون المغامرة بجنودها ولا حتى بسلاحها- إذا ما استثنينا خطواتها الإجرامية الأخيرة عبر أدوات التحالف في الشمال السوري- وهذه حقيقة موجعة، لكن الحقيقة الأسمى والأشمل أن النصر السوري الكامل آتٍ بهمة وعزيمة المؤسسة العسكرية والقيادة الحكيمة و«الجيش» الدبلوماسي العتيد، يسانده صمود شعب جبار بحجم الشعب العربي السوري الذي لاينتظر من (فاقد الشيء) شيئاً بتحقيق إعمار نحن الأقدر على إنجازه كما أنجزنا النصر العسكري على إرهاب مجموعات تكفيرية، أياديها القذرة تسعى لتدنيس العراق ومصر وليبيا وكل رقعة في الوطن العربي.
(بشكل عام، تقوم الصداقة بين الأشخاص الأرفع منزلة على أساس مبدأ مشترك، بينما تقوم الصداقة بين الأشخاص الأدنى منزلة على أساس المنافع المتبادلة) حكمة صينية.