عسكرة النظريات
«النظرية بمفهومها العام هي مجموعة قوانين واقتراحات يرتبط بعضها ببعض، وتخضع لاختبارات معينة تؤدي إلى استنباط حقيقة علمية»، بينما تشعبت النتائج المحققة لتعريف النظرية بتنوّع فروعها التي تستخدم بها..
«بهلوانيو» السياسة الإسرائيليون كثيراً ما اجتهدوا في وضع النظريات من مثل (الأمن السياسي- الردع الإسرائيلي- السير بين الحفر- المعركة بين الحروب..) وهو وضع طبيعي، فوجود الكيان الصهيوني الاستعماري الشاذّ يفرض عليه أبداً عسكرة حتى النظريات الاقتصادية والاجتماعية، فـ«إسرائيل» التي تعمل دائماً على مواجهة أي تحوّلات (اللاحرب- اللاسلم)، وتقتنص الفرص لتمرير الاستحقاقات أملاً في خلق واقع جديد تستثني فيه أجندة هزيمتها عام 2006، ظهرت اليوم في الحرب على سورية ظهور المتورط فعلياً، فبعد افتضاح حضورها المادي والمعنوي الذي أثرى الخلايا الإرهابية، ودعمها حتى اللحظة، وبعد الهزيمة المدويّة للأدوات الإرهابية التي تحارب ضد سورية بدل الأصلاء، والتي كانت رهاناً خاسراً لعقول الكيان الذي ينتهج التكتيك العسكري والسياسي خدمة لعملياته في سورية، اضطرت تل أبيب إلى التدخّل مباشرة بممارسة الهجمات والاعتراضات الوقائية، وهي المتخوفة دائماً، لأنها تعي حجم مكانها الاستيطاني الذي لن ينفع معه استثمار كل النظريات والتصورات بغية إرباك تعاظم الدول المقاومة ومحافظتها على قوى ردعها، في محاولة بائسة من «إسرائيل» لتعزيز «شرعيتها» الموهومة.
أما واشنطن، التي يصعب التصديق فيها بأن النيّات تنتج الوقائع، خاصة أنها مكشوفة الاستراتيجية كجسد عارٍ أمام جهاز أشعة طبية، فقد سقطت عنها كل الخِرَق البالية التي تحاول، بزيف شعاراتها، أن تستر عورتها «بقيم» أمريكية ما هي إلا «قوة ناعمة» تستخدمها للتأثير في شعوب العالم.
ما بين واشنطن وتل أبيب ومن يرضى الخنوع لأجنداتهما استطاع أن يكون الزمان والمكان حالة سوريّة تحقق فيهما الحضور السياسي بفعل سوري بامتياز، كان فيه التسلح بالنَّفَس الطويل والتركيز على النصر كمفهومين أتاحا لسورية أن تكون دولة توزع الأدوار وتنتهج طريقها لتطبيق نظرية (الاستثمار السياسي للنصر)، حيث سبع سنوات حرب هي بمنزلة العمر لكل السوريين، إلا أن الدولة السورية استطاعت من هذا العمر ربح الزمن لتكون فيه الحلقة الأهم التي جعلتها منطقةً نقلت ساحة العمليات بحركة تمهيدية جعلت العالم على أهبة الاستعداد للانتقال من نظام عالمي إلى آخر.
سورية تنشد السلام دائماً، لكن مع خيار المقاومة كفعل سياسي لا خطابي يعتمد التخطيط والتأسيس لمستقبل جيواستراتيجي مختلف عما يُراد للمنطقة أن تكون عليه، فكيف وإن صار ووقع في خريطته السياسية (حرب)، لذلك كان لزاماً وواجباً على دولة انتهجت المقاومة فكراً، والسيادة عقيدة أن تسطِّر في معركتها فصولاً عسكرية وسياسية تليق بحضارتها، ليكون النصر حليفها من حلب إلى الغوطة الشرقية، واليوم درعا التي توزع فيها الانتشار العدواني بين العدو الصهيوني من جهة، وتنظيماته الإرهابية من جهة أخرى، ليتمكن الجيش العربي السوري وبمساعدة حلفائه من تحرير السويداء والقنيطرة ودرعا.
انتصارات الجيش العربي السوري تنتقل من إنجاز إلى آخر، ومن نصر إلى آخر في مواجهة الإرهاب وداعميه إقليمياً ودولياً، إرهاب لن يكون في مجابهته تساهل ولا مهادنة ولا تسامح إلا مع من تخلّى عن مشغّليه.
وليكون الحضور النظري والفعلي لتطبيق نظريات المقاومة والسيادة الحضور السويّ الذي لابد سينتصر على كل النظريات العدوانية.
m.albairak@gmail.com