أدب بوست!!

قديمةٌ جداً عبارة “ما قلَّ ودل”؛ قديمةٌ لدرجة نسي الجميعُ الذين يرددونها اليوم بلا هوادة، من كان قائلها، أو من أوصى بذلك “الإيجاز” الذي أمسى في مختلف أنواع القول علامة الإبداع والبلاغة..
إذاً.. الإيجاز في القول، والذي غالباً ما يطلق عليه النقاد “التكثيف”؛ نصيحة بلاغية قديمة، والتي تجعل من النص قدّاً رشيقاً لا ترهل في تفاصيله، حيث ينتهي النص عند نقطة السطر الأخيرة دون الحاجة إلى شرح وتبيان.. وهو ما كان وصف في الشعر العربي ب”بيت القصيد”، حيث كانت المطولات الشعرية، ورغم كثرة أبيات القصيدة تتوسل في النهاية استخلاص زبدة الكلام.
غير أنه في تلك الأزمنة؛ كان ثمة الكثير من الوقت، سواء لدى الشاعر أو السامع – باعتبار من كان يقرأ؛ كان من الندرة بمكان – يستمتعا بالمطولات وصولاً لبيت القصيد.. رغم أن الأزمنة التي أتت بعد ذلك عرفت الكثير من النصوص التي قالت “بيت القصيد” دفعةً واحدة.. غير أن الزمن اليوم أمسى من أهم ميزات قوله الإبداعي هو النص الوجيز، وبعكس كاتب ومتلقي الأزمنة البعيدة، فإنّ كاتب ومتلقي اليوم ليسا لديهما “النَّفَس ولا النَّفِس” لأن يستمع أو يكتب المطولات حتى يصل بيت القصيد.. لقد انتهى زمن الملاحم وروايات الأجزاء والقصائد الطويلة، إنه زمن النصوص القصيرة، أو زمن الأدب الوجيز.
والأدب الوجيز لا يعدو اليوم أن يكون إطاراً يضم العديد من الأشكال والأنواع الأدبية: القصيدة الومضة، الشذرات، القصة القصيرة جداً، وحتى الهايكو الذي تتوسع دائرة كتّابه اليوم، وصولاً إلى ما يمكن أن نطلق عليه: “أدب بوست”، ثمة النصوص الأدبية اليوم وإلى مدى أيامٍ طويلة قادمة.
صحيح أن الكثير من الملامح المشتركة بين كل تلك الأنواع الأدبية السابقة كالشعرية العالية مثلاً، أو المشهدية، وحتى الكثير من “الحكائية” والإخبار في تفاصيل النص، غير أن ثمة ملامح تكون أكثر من غيرها في النوع الذي من خلالها يُمكن تمييزه عن النوع الآخر، فالحكائية تبدو شرطاً في نص القصة القصيرة جداً لتبقى ضمن نوع القصة، والمشهدية شرط نص الهايكو حيث النص الذي يأتي من تأثير مشهد خارجي.. وهو ما يخوّل للكثرين الجمع بين كل ذلك في نوع واحد؛ حيث النص الواحد يُمكن له أن يقدم كلَّ تلك الملامح معاً ودفعةً واحدة.
هامش:
لايزالُ على عادته المُزمنة،
ينسى دائماً؛ أنّه سبّاحٌ ماهر
في كلِّ مرةٍ
كان يُحاولُ فيها
الانتحارَ غرقاً..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار