أوهام حقيقية «الرغبة القاتلة» لأمين الساطي
تشرين- أحمد محمود الباشا:
القصة فن من فنون الأدب، وفي الأدب العربي الحديث برز كتاب هم رواد لهذا الفن، استطاعوا أن يقدموا أعمالاً كثيرة، كحنا مينه وزكريا تامر وغادة السمان من سورية، ومن مصر نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويحيى حقي وغيرهم كثيرون.
واليوم نقف مع كاتب سوري بدأ الكتابة وهو في سن متقدمة من العمر وبعد ان أحيل على التقاعد، حيث استطاع خلال فترة وجيزة أن يقدم العديد من مجموعاته القصصية، وقصصاً للأطفال، التي لاقت استحساناً وقبولاً وشغفاً وقراءة لها ورغبة في متابعة أعماله.
إنه الكاتب والروائي أمين الساطي، الذي سنتناول اليوم إحدى مجموعاته القصصية التي هي بعنوان: «اوهام حقيقية»، التي قال عنها: الرغبات العنيفة تختلج صدورنا، ولا تلبث ان تسيطر علينا فنصبح عبيداً لها، وبالنهاية تقودنا إلى الطريق الذي تختاره لنا، بينما يتملكنا في الوقت نفسه الشعور بالعجز عن مقاومتها. وقد قامت دار النشر الإنكليزية أوستن ماكولي بإعادة نشر الطبعة الثانية من مجموعة أوهام.
ضمت المجموعة ثلاث عشرة قصة اخترنا منها الرغبة القاتلة وهي أميزها واطولها وأقرب إلى الواقع في شخوصها وأحداثها الاجتماعية.
وملخص القصة التي بدأها الكاتب بتقديم بطل القصة كمال والتعريف به أنه شاب في الأربعين من العمر، أردني الجنسية من عائلة محافظة توفي والده ويعيش مع امه وأخته، يعمل في الكويت مديراًعاماً لإحدى شركات التعهدات والمقاولات، وهو يحب اللقاء بالفتيات الجميلات وقضاء اوقاته معهن، فوضعه المادي جيد جداً وهو من الأثرياء، ويقدم المال والهدايا للفتيات مقابل أن ينفذن له كل طلباته ورغباته.
شاهد في إحدى المرات في بيروت فتاة في مطعم كان يجلس فيه فأراد التعرف إليها واصطحابها معه إلى الفندق الذي ينزل فيه لقضاء ليلة معها كما هو معتاد، وبعد محاولات عديدة تمكن من التعرف عليها والتقرب أكثر منها عندما أصبح شريكاً في دار الازياء الذي تعمل به سلمى.
وسبق أن طلب من عامل المطعم أن يدعوها وصديقتها باسمه إلى طاولته فاعتذرت، ومن خلال معارفه وأصدقائه تمكن من الوصول إليها، وبعدما عرفت أنه مالك دار الأزياء ورجل ثري رأت ان تتقرب منه، وأقام كمال حفلاً بهذه المناسبة دعا إليه الجميع ومنهم سلمى، فتعرف عليها وطلب منها الذهاب معه إلى الفندق لقضاء ليلة معه فرفضت.
تعددت اللقاءات والزيارات لأهل سلمى وقام بتقديم الهدايا الثمينة والنفيسة لها ولأهلها الذين طرحوا عليه الزواج، تردد في البداية لكن رغبته بالوصول إلى سلمى جعله يوافق رغم أنها مسيحية وعائلته مسلمة، وأمه سترفض هذا الزواج، بعد ذلك تم الزواج وقدم كمال مهراً كبيراً لعروسه، حيث تم حفل الزفاف وعقد القران في الأردن مع عائلته.
وكان هناك مشكلة عند سلمى لكونها كانت على علاقة مع خطيبها السابق مارست معه كل شيء وهي الآن ليست عذراء، وحلت هذه المشكلة مع أحد الأطباء على أنها عذراء، وذهبا إلى الكويت ليقيما هناك، وما هي إلا فترة قصيرة إلا وأصابها الملل لأن زوجها يعنفها في علاقته معها لا يهمه إلا إشباع رغباته لأنه يفكر بنفسه فقط.
كانت تسافر كثيراً ما بين الكويت وبيروت إلى أن قررت أنها لن تعود إلى الكويت أبداً، وأقامت علاقة بينها وبين صديق لها بالجامعة طبيب اسنان يدعى نادر وأصبح بينهما علاقة وثيقة، وطلب منها أن تطلق زوجها وتتزوجه، وفعلاً طلبت الطلاق من زوجها الذي كلف محاميه بمتابعة الموضوع وأعلمه أنه يرفض الطلاق.
العم عبدو الذي يعمل على قارب يملكه كمال أخبره أن زوجته تأتي مع صديقاتها وصديق لها اسمه نادر طبيب أسنان وعلى علاقة معه.
فكر كمال بالانتقام وأن يدخل إلى لبنان تهريباً بالاتفاق مع عبدو وبعد دخوله اشترى بعض المواد من أجل خطته كالجبصين والحبال وغيرها، وبعد أن وصلا إلى القارب ونزل إلى الأسفل، نادى العم عبدو معلمه الذي يكرهه ولا يحبه وعندما صعد إلى سطح القارب واقترب منه وعاجله بضربة من جهاز إطفاء فسقط مغشياً عليه وهو ينزف دماً وتذكر لماذا أحضر كمال تلك المواد وأنه رآها في فيلم سينمائي، فطبق كل ذلك على كمال فأجلسه على الكرسي وربطه بالحبال وصب الجبصين على قدميه وبعد أن جف رماه بالبحر، وأخبر سلمى ألا تأتي اليوم لأن القارب معطل وبحاجة إلى إصلاح، ويمكن ان تأتي غداً.
وهكذا كانت النهاية المأساوية لبطل القصة كمال وهي تعطينا درساً لنتعلم منه كيفية خيارنا واتخاذ قرارنا والحيطة والحذر من حولنا، وتعاملنا مع الآخرين.
القصة التي قدمها لنا الكاتب أمين الساطي التي هي إحدى قصصه ضمن مجموعة أوهام حقيقية فيها الكثير من العبر، وتحدث فعلاً في واقعنا ومجتمعنا، وعلينا ان نفكر بروية عندما نقدم على أي خطوة أو مشروع ما، وعلى الأخص عند اختيار الشريك.
فكرة الكاتب ونصه القصصي هذا واقعي ويحدث كثيراً في مجتمعنا ويذهب ضحيته الكثير من الأشخاص، أي قارئ لهذه القصة لن يدعها إلى أن يتمها ويأخذ منها عبرة في هذه الحياة، ويكون أشد حذراً ويقظة في هذه الحياة، ويزيد من معارفه الشخصية والاجتماعية.
وكما سبق وأن قيل من قبل النقاد والعاملين في ميدان الأدب في بريطانيا أن هذه القصة تصلح ان تكون عملاً سينمائياً أو عملاً تلفزيونياً، وهذا دليل براعة الكاتب ودقته في السرد والأسلوب القصصي الذي ينم عن إبداع الكاتب واستطاعته بأن يجعل القارئ قارئاً نهماً له ومتابعاً لأعماله المختلفة.