الرجل المناسب وبنية المؤسسات

أمر مبشر أن تفتتح الحكومة أعمالها بموضوع مهم وإستراتيجي عبر إعادة النظر في آليات اختيار القيادات الإدارية لمؤسساتنا، بعد اعترافها بالخلل الذي يراه الجميع في مجال الوظيفة العامة، لكن بقي على حاله لأسباب ليس من المجدي الخوض في أسبابها.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل الوصول إلى تحقيق شعار وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وحده سيحل الإشكاليات الموجودة في جهازنا الإداري، وسيخفف من المعوقات والفساد والهدر ويزيد من كفاءة قطاعنا العام؟.

هناك أمر آخر يعلمه الجميع لا ندري إن كان حلّه يجب أن يسبق الأمور الخاصة بالموارد البشرية واختيار الكفاءات، أم بعده أم معه، ألا وهو تركيبة وزاراتنا ومؤسساتنا والقوانين الناظمة لعملها وتداخل صلاحياتها في أمور حيوية، والتي لطالما كانت سبباً في عرقلة الكثير من التشريعات الجديدة وفشل مشروعات وخطط وسياسات كثيرة، وضعت على أنها الحل السحري لكن عند التطبيق واجهنا التشابكات وتنازع الصلاحيات والمسؤوليات وتشتت الجهود وتضاربها.

المتعارف عليه عندما يعلن عن مشروع قانون جديد أو خطة جديدة تجتمع عشرات اللجان من مختلف الجهات ذات الصلة، توزع عليها المسودة أو الخطوط العريضة، وتبدي كل جهة رأيها في الشكل المناسب لـ”المولود المنتظر”، وطبعاً هناك جهات كثيرة لا يعلم ممثلوها شيئاً عن المقترح الجديد أو حتى لا يملكون الكفاءة اللازمة في هذا الصدد، ويكون حضورها شكلياً لا يقدم ولا يؤخر، وينتقل المشروع من مستوى إلى آخر بنفس الروتين وربما لو اطلعنا على آليات النقاش والتعليقات سنجدها منسوخة من مشروعات قوانين سابقة، وهذا ما كان يقره الجميع بأن مؤسساتنا ومسؤولينا غير قادرين على حل الكثير من المشكلات بسبب العراقيل القانونية المتجذرة في أجهزتنا الحكومية.

خلال الفترة القصيرة الماضية تم تعديل مراسيم إحداث عدد من المؤسسات والوزارات، لكن الإرث القانوني “الثقيل” الموجود في بنيتنا الإدارية ستبقى آثاره المترسخة منذ عقود طويلة وسيحد من أي إيجابيات متوقعة ضمن المدى المنظور.

الأمر المهم اليوم أننا اعترفنا بإحدى مشكلاتنا وبدأنا البحث عن أسبابها ومن ثم إيجاد حلولها، لكن وحتى نصل إلى تطوير قوانين جهاتنا العامة بما يضمن كفاءة الأداء، يمكن الاعتماد على ما تتبعه ودول ومؤسسات كبرى في العالم أثناء عمليات اتخاذ القرارات، باعتماد نماذج ومعادلات إحصائية يصممها اختصاصيون محترفون في حصر المتغيرات المؤثرة بنجاح القرارات، ومن ثم تكميمها وتقدير تأثيرها على النتيحة، وتوضع معادلات يمكنها أن تستشرف الواقع بشكل شبه دقيق، وتضع السيناريوهات المختلفة وتوفر الحلول الاستباقية لكل طارئ يمكن حدوثه، وعندها يمكن تلافي الكثير من العيوب الموجودة في منظومة وآليات اتخاذ القرارات لدينا، ريثما تتحقق نتائج عمليات الإصلاح الإداري التي قد تستغرق وقتاً ليس بقليل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار