آخر خط المضاربة و«المقامرة».. قطاع التطوير العقاري ينصاع لنواظم هيئة احترافية.. لايقة لـ«تشرين»: محددات ومعيار التعاطي مع شركات التطوير الجديدة وفق مؤشرات الجذب على الأرض وفي ميدان التنفيذ
تشرين – خاص:
لعلّه من المثير لألف سؤالٍ وسؤال.. لماذا يُترك أكبر قطاع على مستوى كتل الأموال المتداولة في سورية عشوائياً لعقود مديدة من الزمن.. من دون أن تنفع رحلة طويلة الأمد من التخبط في تنظيمه، وتضيع وتتبعثر أوراقه بين وزارة الإسكان واتحاد المقاولين والاتحاد التعاوني السكني الذي تم حله واستبداله بمديرية داخل هيكلية الوزارة ” الإسكان”، من دون أن نقترب – حتى مجرد اقتراب – من ملامح ضبط “قطاع الاستثمار المغري” وذاته قطاع الادخار الدسم، وبالمحصلة قطاع عمل من ليس له عمل، من الباحثين عن ثراء “على القاعد” كما يُقال.
إخفاق معلن
لقد أخفق القانون رقم 15 والهيئة التي رافقته “هيئة التطوير العقاري” التي تم حلّها لعدم الجدوى، وأخفقت كل الجهود لتصبح السوق العقارية السورية مثاراً للمواد والمقاربات الإعلامية المثيرة، حول سعر المتر المربّع من البناء، ومقارنات مع أسواق باريس ولندن ودبي وسواها من المدن والعواصم الشهيرة بارتفاع أسعار وتكاليف السكن والإسكان فيها، وكان من الأفضل لو لم يكن لدينا قانون ناظم وهيئة متخصصة، لكنا تحدثنا عن مجرد عشوائية، أما مع محاولة المأسسة بتنا نتحدّث عن فشل، ولهذه الكلمة وقعها الموجع.
إلى غرفة العناية الفائقة
بعيداً عن كل الآراء وهواة التنظير في المجال العقاري، الذين أضاعوا رشد كل متابع وباحث عن حلول “معظمهم لا يمتلك بيوتاً.. والمستفيدون يتفرجون ويتابعون وربما يسخرون”، بعيداً عن كل تلك الجلبة، يبدو أننا نقف اليوم على عتبة تنظيم بدت بوادرها مختلفة كلياً، وهي مؤشرات حسم جديد لجدل مزمن بشأن الاستثمار في القطاع “الخارج على كل أدبيات الاستثمار”، كما يبدو أنه تم الشروع فعلاً بتنظيم هادئ لقطاع الاستثمار العقاري، بما يضمن تحويله إلى قطاع تنموي حقيقي.
فالتعويل من الآن فصاعداً يرتكز على ” نسف” كل الإجراءات والمحاولات السابقة، وهل هيئة التطوير العقاري، وإلحاق مهامها بهيئة الاستثمار السورية، تحت مظلّة قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021.. ولدى الأخيرة معطيات تدعو قليلاً للاسترخاء، لأن عملها ينطوي على قدر جيد من المنهجية والإدارة الهادئة للملفات، وهي ذراع الدولة الفاعلة التي ستتولى إدارة ملف ” البزنس الاستثماري” كاملاً؟
وتبدو الإجراءات الأخيرة التي عمدت إليها هيئة الاستثمار السورية، واعدة بتنظيم جديد لقطاع متخبّط.
رؤية جاهزة
تحدثت مدير عام هيئة الاستثمار السورية ندى لايقة لـ «تشرين» بنبرة مفعمة بالثقة، عن مستقبل الاستثمار العقاري في سورية، وأشارت إلى حزمة خطوات في سياق عمل الهيئة مع الجهات العامة، لوضع الحوافز والآليات والمحددات لقطاع التطوير والاستثمار العقاري، والعمل كان دقيقاً ومكثّفاً زمنياً، بدرجة كبيرة من الحرص الشديد لدى دراسة الإيجابيات والسلبيات التي شابت آليات التحفيز والتنظيم والإشراف في هذا القطاع، حتى تمّ الوصول إلى محفزات جديدة ومحددات أكثر ضبطاً لمزاولة هذه المهنة ” مهنة مطوّر عقاري”، إضافة إلى الوصول لآليات أكثر تبسيطاً، وإلغاء خطوات وإجراءات كانت موجودة في السابق، بما يضمن سلاسة الأداء والإنجاز الاستثماري في قطاع لا بدّ أن يخضع للتنظيم.
محفزات
وأشارت مدير عام “الاستثمار” إلى ما تعتبره حزمة جاذبة من المحفزات التي ينطوي عليها “التشريع الاستثماري العقاري” الجديد.. كإعفاء مستوردات كل مواد البناء والإكمال من التجهيزات والمستلزمات غير المتوفرة محلياً، ووسائط النقل الخدمية غير السياحية اللازمة لتنفيذ مشروعات التطوير والاستثمار العقاري، الحاصلة على إجازة استثمار، من كل الرسوم الجمركية والمالية والرسوم الأخرى والإضافات غير الجمركية.
وبشيء من التفصيل حول الضوابط الخاصة بهذه النقطة بالتحديد “الإعفاءات”، أشارت لايقة إلى روائز محددة كأن لا تتجاوز قيمة المستوردات 50% من التكاليف الاستثمارية التقديرية للمشروعات ذات الأولوية.. ثم 40% من التكاليف الاستثمارية التقديرية للمشروعات ذات الأبعاد الاجتماعية، و30% من التكاليف الاستثمارية التقديرية لمشروعات مناطق الخدمات الخاصة.
ميزات
وأيضاً في سياق المحفزات، بينت مدير عام الهيئة أن مشروعات التطوير والاستثمار العقاري المرخصة، تستفيد من الإدخال المؤقت لكل احتياجاتها من الآلات والآليات والأجهزة والتجهيزات والمعدات وسيارات العمل اللازمة، طوال فترة إنجاز المشروع، وتمدد تلقائياً في حال التمديد للمشروع، شريطة استخدامها حصراً لأغراض المشروع ووفق القوانين والأنظمة النافذة.
حوافز ضريبية
أما الجانب الآخر المهم والمحفز للاستثمار العقاري عندما يكون «ممأسساً» لا عشوائياً، فهو أن مشروعات التطوير والاستثمار العقاري تستفيد اعتباراً من تاريخ بدء التشغيل وهو تاريخ إنجاز المشروع ووضعه في الاستثمار الفعلي من حوافز ضريبية متعددة:
الأول: تخفيض ضريبي بنسبة 75% من ضريبة الدخل لمدة /10/ سنوات لمشروعات المناطق التنموية للتطوير والاستثمار العقاري.
الثاني: تخفيض ضريبي بنسبة 50% من ضريبة الدخل لمدة /10/ سنوات لمشروعات المناطق التخصصية للتطوير والاستثمار العقاري.
وعلى العموم..تؤكد لايقة أن المحددات ومعيار التعاطي من قبل الهيئة مع شركات التطوير الجديدة سيكون وفق مؤشرات الجذب على الأرض وفي ميدان التنفيذ.
آخر خط المضاربات
لعلنا لن نطيل الانتظار لنعاين شركات تطوير عقاري حقيقية تتولى مهمة نشر الضواحي والوحدات السكنية، والأهم أن ما يجري الإعداد له في ” مطبخ” الهيئة، سيحد كثيراً من جماح متواليات المضاربة في القطاع وهو بالفعل اليوم ” قطاع المضاربة” وقد تفوّق على سوق “الفوركس”.
المأسسة وفق ما يرشح عن الهيئة ستحوّل قطاع الاستثمار العقاري إلى قطاع تنموي.. قطاع ينطوي على عنصر تشغيل وقيم مضافة، لا ” مطمورة” ادخار بغيضة.