الحاجة ملحّة لتعديل قانون التعاون السكني.. آمال المكتتبين معلّقة واستلام المسكن في درعا حلم بعيد المنال

تشرين – وليد الزعبي:

يكمن دور قطاع التعاون السكني كما هو معروف، في العمل على توفير أعداد كبيرة من الشقق السكنية لذوي الدخل المحدود بأسعار التكلفة، مدفوعاً بالمرونة والميزات التي يتمتع بها، ولا شك أنه حقق في محافظة درعا خلال فترات ما قبل الحرب خطوات مهمة على هذا الصعيد، ولو توافرت الظروف المناسبة من أراضٍ وقروض بالقدر المطلوب حينها لاستطاع إنجاز أكثر من ذلك.

لكن المشكلة الأبرز الآن، هي أنّ مشاريع جمعيات التعاون السكني قد تأثرت كباقي القطاعات الأخرى بالحرب، التي كان من تداعياتها، ليس شلل العمل فيها فقط، بل وتضرر الكثير مما هو قائم من مبانٍ بنسب متفاوتة، ولم يُدرك حتى اليوم سبيل إلى كيفية معاودة لملمة أمورها وتجاوز معوقاتها حتى تعاود الانطلاقة من جديد في استكمال أعمال تشييد أبنية الجمعيات على اختلافها، ما أبقى آمال المكتتبين معلّقة إلى أجل غير معلوم.
خلال لقاء “تشرين” مع عدد من المكتتبين على شقق ضمن مساكن جمعيات التعاون السكني، عبّروا عن معاناتهم الشديدة من تحمّل أعباء مادية كبيرة لقاء استئجارهم لبيوت سكنية، لافتين إلى أنه لو تم العمل على استكمال مشاريع الجمعيات السكنية المسجلين فيها، لكانوا انتقلوا إليها ورفعوا عن أنفسهم عبء الإيجارات الثقيل.

إنعاش مشاريع السكن التعاوني من سباتها يحتاج تدخّلاً مسؤولاً

وأشاروا إلى أن الآمال بمعاودة انطلاق العمل بتلك المساكن لا يبدو أنها قريبة التحقق، حيث لا توجد مجالس إدارة لبعض الجمعيات، ولا تتوافر مبالغ مالية لدى غيرها، ولا قدرة للكثيرين على دفع الأقساط المترتبة، والمشكلة الأكبر أن الكثير من المكتتبين غادروا البلاد، ولا أحد يعرف كيف يتواصل معهم، وإن تم التواصل فبعضهم لم يعد يعنيه إن تم إكمال الجمعيات السكنية المسجلين فيها أم لا.
وركزّ آخرون على مسألة أن هذه المساكن هي لذوي الدخل المحدود، وعند النظر إلى حال هؤلاء ضمن الظروف الراهنة، فهي لم تعد بخير مالياً، وبالكاد يستطيعون تدبّر لقمة عيشهم وأسرهم، بمعنى أنهم لن يستطيعوا تحمل ما يترتب عليهم الآن من مبالغ، وخاصة مع الارتفاعات المهولة لتكاليف مواد البناء، وطالبوا بضرورة العمل على منح قروض ميسرة طويلة الأجل للجمعيات لاستكمال الأبنية وتسليمها إلى المكتتبين.
وغمز البعض من جانب عدم فاعلية مجالس إدارة بعض الجمعيات الحالية وترهّلها، والتفات بعضها إلى المنافع الخاصة لا مصلحة أعضاء الجمعيات، وطالبوا بضرورة استبدال تلك المجالس بأسرع ما يمكن، كما تحدث آخرون عن ضرورة إيجاد حلّ للجمعيات التي لا يتواجد لها مجالس، بتشكيل مجالس تدير شؤونها، لعلها تسهم في إعادة دوران عجلة مشاريعها في التشييد.

عن واقع عمل الجمعيات أشار مدير التعاون السكني في درعا محمد العقلة، إلى أن مديرية التعاون السكني أُحدثت بموجب قرار وزارة الإسكان والتعمير رقم ٦١٦ تاريخ ٦/ ٨ /٢٠٠٨، بهدف الإشراف والرقابة على جهات قطاع التعاون السكني، ويشمل ذلك الاطلاع على قراراته وسجلاته والتحقّق من مطابقتها للقوانين والأنظمة النافذة، حسب ما تضمنته المادة ٦١ /الفقرة آ من قانون التعاون السكني الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ٩٩ لعام ٢٠١١.
وبيّن العقلة أنّ عدد الجمعيات التعاونية السكنية القائمة في محافظة درعا يبلغ ٣٧ جمعية، ويصل عدد الأعضاء المنتسبين إليها ٥٤٧٠ عضواً، وعدد المكتتبين على المشاريع ١٢٠٠ مكتتب، في حين يبلغ عدد الأعضاء المستفيدين والمستلمين ٩٠٠ عضو، وعدد المشاريع المنفذة للجمعيات السكنية ٢٣ بواقع ١١٢٤ شقة سكنية و٢٣٤ فيلا، أما عدد مشاريع الجمعيات السكنية التي هي قيد التنفيذ فيبلغ ٢٥ مشروعاً.

وعلى صعيد الصعوبات فهي وفق مدير التعاون السكني، تتمثّل بتوقف العمل في قسم كبير من الجمعيات وتباطؤه في أخرى، وذلك نتيجة للظروف الراهنة التي لا يمكن في بعض المناطق خارج مدينة درعا، ولا سيما “اليادودة وعتمان والنعيمة والشيخ مسكين”، من معاودة العمل بالمشاريع المتوقفة.
وتطرّق إلى مشكلة مغادرة أعداد لا بأس بها من أعضاء الجمعيات للبلاد، ما يصعب التواصل معهم لإيفاء التزاماتهم تجاه الجمعية المنتسبين إليها، كذلك الصعوبة المتمثلة بالارتفاع الكبير جداً في أسعار مواد البناء وأجور النقل، والذي أثّر سلباً وبشكل كبير في استكمال مشاريع الجمعيات السكنية، وخاصة أن المنتسبين إلى هذه الجمعيات التي تتبعها من ذوي الدخل المحدود.

وعرّج مدير التعاون على موضوع الأضرار الكبيرة التي لحقت ببعض أبنية الجمعيات، مثل جمعيات” الشيخ مسكين وعتمان والنعيمة واليادودة وسجنة بدرعا البلد” وغيرها، وعدم حصولها على أي تعويض عن هذه الأضرار، وتناول مشكلة وجود مبالغ كبيرة مودعة في حسابات الجمعيات التعاونية في المصرف العقاري، لكن من دون أن تحصل على فوائد عمليات الإيداع عن الأموال بسبب الآلية التي تتبعها إدارة المصرف، ومعدل الفائدة المرتفعة التي يفرضها المصرف، حيث يتآكل رأس المال أو المبلغ المودع في المصرف لصالح أي جمعية سكنية مع مرور السنوات، إن لم يتم تحريكه.

مدير التعاون: تحديث التشريعات ضرورة لمواكبة المتغيّرات ومتطلبات المرحلة

ولم يغفل العقلة حالة عدم استقرار مجالس إدارات العديد من الجمعيات السكنية، بسبب التهرّب من المسؤولية من جهة، والظروف التي مرّت بها المحافظة من جهة أخرى، بالإضافة لحالات حلّ بعض المجالس أو إسقاط العضوية منها، ما أدى إلى انقطاع العمل في هذه الجمعيات وتوقف مشاريعها، وخاصةً مع الصعوبة في تشكيل مجالس إدارات لها على مدى فترات طويلة لتعثّر التواصل مع أعضاء الجمعية، الأمر الذي أبقى العمل متوقفاً، حيث إن مجالس الإدارة تعتبر الجهة الوحيدة المخوّلة بإدارة الجمعية، وفي إطار تفعيل الجمعيات المتوقفة والتي تعذّر تشكيل مجالس إدارات لها، يجري العمل على دمجها مع جمعيات نشيطة وفاعلة، لعل ذلك يسهم في تنشيط العمل بشكل ينعكس إيجاباً على أعضائها.

و لتلافي مختلف الصعوبات آنفة الذكر، اقترح العقلة السعي إلى تعويض الجمعيات التعاونية السكنية عن الأضرار التي لحقت بأبنيتها نتيجة الظروف التي مرت بها المحافظة، والإعفاء من رسوم تجديد رخص البناء للمشاريع المتوقفة، وإحداث صندوق للإسكان، مهمته إقراض الجمعيات السكنية، وتقديم الدعم لها كي تتمكن من إنجاز مشاريعها المتوقفة والمتعثّرة، وكذلك السعي إلى إنشاء مصرف تعاوني خاص بالجمعيات التعاونية السكنية، يقدّم فائدة إلى الجمعيات لقاء إيداع أموالها لدى المصرف، وهذه الموارد يمكن بها تغطية الأعمال الإدارية، على أن يقوم المصرف بمنح الجمعيات قروضاً بمعدل فائدة توازي فائدة الجمعيات التعاونية الزراعية، كما ويقوم هذا المصرف باستثمار الأموال المودعة الفائضة لمصلحة الجمعيات على تكون إدارته من الأسرة التعاونية.
ولفت إلى أهمية إلزام جهات الكهرباء والمياه والهاتف بتطبيق أنظمة الاستثمار النافذة لديها، وعدم تحميل الجمعيات التعاونية السكنية بموجب عقود إذعان أموال ومبالغ غير مترتبة عليها، وتقع في الأساس على عاتق هذه الجهات لقاء تزويد مشاريع الجمعيات بخدماتها، حيث إنه عند تسليم الأبنية إلى الأعضاء المخصصين بها، يتم توزيع التكاليف على المستفيدين وتحصيلها عند إبرام عقد الاشتراك، حسب نظام المؤسسة أو الوحدة الإدارية، كما أمل بإجراء دورات تأهيل وتدريب لمجالس إدارات الجمعية، بهدف تأهيل هذه المجالس وتدريبها ،لتكون قادرة على إدارة هذه الجمعيات بالشكل المطلوب، وذلك في سبيل تحقيق الغاية التي أُنشئت من أجلها في تأمين السكن الملائم والمناسب لأعضاء الجمعية.

وختم مدير التعاون بأن الحاجة أضحت ملحّة لتعديل قانون التعاون السكني الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ٩٩ لعام ٢٠١١، وخاصةً بعد حلّ اتحاد التعاون السكني بالقانون رقم ٣٧ لعام ٢٠١٩، وبالتحديد لجهة المواد المتعلقة بالاتحاد، إضافة إلى توضيح العلاقة مع الجمعيات السكنية، وتلافي الثغرات التي كانت موجودة في التشريعات القائمة للإسهام في تطوير التعاون السكني.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار