«ملف تشرين».. مسلسل “فرصة أخيرة”.. آخر أعمال الكبير أسعد فضة مسلسل يرسم واقعاً جديداً
تشرين- حلا خيربك:
في الوقت الذي تصدر المسلسل الكويتي والمصري الواجهة في الوطن العربي، نجد بالمتابعة والبحث، أنّ المسلسل الكويتي مغرق في المحلية، ملتصق بمجتمعه ومشاكله، ويحكي قصص الأسرة الكويتية بمختلف مستوياتها ويعالجها، ومن هذه المحلية الشديدة انطلق إلى أنحاء الوطن العربي، بينما المسلسل المصري والسوري، خرج من نطاق الأسرة التي ستكون هي المتلقي الأهم، إلى الشارع، واتجه نحو الموضوعات الغريبة والفريدة والنشاز ليجذب المشاهدة والمتابعة، الأمر الذي قد يتحقق في عدد من المسلسلات لا أن يصبح الطابع العام، ومع ذلك بقي المسلسل المصري حتى في بحثه عن الغرابة والشذوذ عن العرف والمعروف أيضاً مغرقاً في المحلية، حيث اتجه نحو قصص السحر والشعوذة والعوالم الأخرى، والتي هي شائعة في أساطير وخرافات وحواديت الشعب المصري، أما المسلسل السوري الذي عالج فترة الحرب على سورية، أخذ يتخبط في ضياع الهوية فيما بعد، وابتعد عن الأسرة السورية، واتجه نحو العنف والأكشن والسراديب المظلمة، في حجة أنه يعكس الواقع، والذي ليس المطلوب من الدراما أن تعكسه، وإنما ينبغي أن تصنع الواقع الذي لابد سيقلده المجتمع بعد فترة.
فرصة أخيرة
على عكس ما يجري في الواقع، وعلى عكس ما تعززه الدراما السورية من قصص المخالفات وتفكك الأسرة، والعنف والأكشن، نجد مسلسل “فرصة أخيرة” يفرض نفسه بقوةٍ كنموذجٍ، وكمسلسلٍ سوري ضخم الإنتاج، يجمع باقة من الفنانين السوريين ترتبط أسماؤهم بالنجاح المحقق، المسلسل من بطولة الفنان القدير أسعد فضة والقديرة فاديا خطاب، وأماني الحكيم وعبير شمس الدين ومحمد الأحمد وجيني اسبر، ودانا جبر ومن لبنان النجمة دارين حمزة.
ويتميز هذا العمل بعدة عوامل لتجعله أنموذجاً ناجحاً وفريداً ويمكن الاستفادة من بعض عوامل نجاحه.. مسلسل ذو رتمٍ هادئ جداً على عكس ما نراه حالياً في غالب مسلسلاتنا من الصراخ والعويل والضرب والأكشن غير المبرر، لكن موضوعه مستفز، حيث يتحدث عن عائلة محترمة في المجتمع وغنية؛ الأب “عاصم” الفنان أسعد فضة، والأم “صباح” الفنانة فاديا خطاب، وأولادهم وزوجاتهم يعيشون جميعاً معاً في نفس المنزل، منزل العائلة الكبير، هذا الطرح المعاكس تماماً لما يجري حالياً في واقع المجتمع السوري، من حيث سفر الأولاد للخارج وبعدهم عن أهاليهم، ورغبة جميع الصبايا في الاستقلال عن بيت العائلة، هذا الطرح المستفز “ماذا لو؟!” يجعل المسلسل جاذباً للمتابعة والمشاهدة.
ويمتد المسلسل على عكس القالب الطبيعي أو المتعارف عليه للمسلسل التلفزيوني لأكثر من ستين حلقة، حيث يتابعها المشاهد من دون ملل، ويصبح حلقة بعد حلقة جزءاً من عائلة الخالد، ومن يومياتهم.
عاداتنا وتقاليدنا
هناك طرح للعادات والتقاليد الخاصة بالمجتمع السوري في المسلسل، لكن ضمن قالبٍ حديث، حيث تظهر العائلة السورية على عكس ما تقدمه مسلسلات المخالفات والمسلسلات التركية المعربة الحديثة، أسرة عريقة محترمة لها أسس وقواعد في الحياة ومترابطة.. ثم يعالج المسلسل في كلِّ حلقة أو عدة حلقات مشكلة تواجهها إحدى عائلات أو أفراد المنزل، وهي ليست بالمشكلات السهلة، ويتم حلها والتغلب عليها بالمساعدة والمحبة الطاغية على المنزل الكبير وحسن نية الأغلبية تجاه بعضهم البعض.
هذا المسلسل المنتج سنة 2018 جدير بإعادة العرض والمتابعة، – من تأليف فهد مرعي وإخراج فهد ميري – يثبت صحة النظرية التي تقول إن الشارع يقلد الدراما، وكما نريد أن يكون المجتمع نقدم له النموذج، والذي سيعكسه فيما بعد مع مرور الوقت فيما لو كان ناجحاً ومؤثراً، وليس العكس…
من المشاكل الحساسة والمستفزة في الوقت نفسه التي يعالجها المسلسل عمل زوجة الابن الأصغر بالإعلام وتعرضها للتحرش وتورطها بالقتل، وتخطي عائلة صغيرة مؤلفة من أب وطفلة صغيرة وفاة الأم، زواج الفتاة من شخص لا تحبه، مشكلة العنوسة وتحوّل عاطفة المرأة المكبوتة إلى شرٍّ لا يمكن السيطرة عليه، تعرض طفل للاختطاف، الفرق بين الزواج من أرملة أو مطلقة، وكم من الأذى يمكن أن يلحقه الأبوان ببعضهما البعض بعد الطلاق. إنها مواضيع قد تبدو للوهلة الأولى بسيطة ومطروقة ولكن طريقة معالجتها ضمن عائلة كبيرة وحلها ببساطة يجعل للمسلسل ككل جاذبية ويحقق استمرارية في المشاهدة حتى الحلقة الأخيرة.
بطولة لكبار السن
وعلى عكس ما نتوقع من أن نشاهد دائماً دراما شابة وتعالج مشاكل الشباب فقط، فإن البطولة ليس لها عمر، وقصص كبار السن هامة ويجب معالجتها، وفي هذا العمل يخرج دور الأب والأم من نمطيته، ويصبح فعالاً وبارزاً ولاسيما من خلال دور الفنان أسعد فضة، الذي يثبت حضور شخصية الأب في حياة أبنائه، وأن التربية عملية مستمرة، حيث يجب ألّا يتنحى الوالد عن القيادة، ففي حين نجده هيناً ليناً، وحيناً آخر قاسياً جداً، حسبما يتطلب الموقف لينقذ عائلته الكبيرة.
أقرأ أيضاً:
«ملف تشرين».. من أعالي الحنين.. أسعد فضة يتذكر ويجمع حصاد التجربة على بيادر الذاكرة