«ملف تشرين».. الفنان… المعلم أسعد فضة جمع مختلف الفنون ولوَّنها بإبداعه المسرحي العتيق
تشربن- حوار: ميسون شباني:
استذكرت هذا العنوان في اللقاء الزاخم لملتقى الابداع الذي أداره باقتدار الدكتور تامر العربيد.. حيث الغوص والنبش في إرث هذا العتيق تطلب الكثير من الجهد.. فهو المخرج المسرحي الذي صاغ أدوات إبداعه وطوعها في فضاء المسرح، هو الفنان صاحب الحضور القوي والآسر، هو المثقف المتحضر، وهو الإنسان البسيط والطيب، وأذكر ما قاله المسرحي العتيق عن عمله في المسرح خلال توليه مديرية المسارح والموسيقا: إن عمله كان له بعدان فني وإداري، وهذا ما أدى إلى بعض الصعوبات التي وجب تذليلها، على سبيل المثال فرقة المسرح القومي كانت فيها عناصر متعلمة وأكاديمية، وعناصر غير أكاديمية تعمل بالخبرة والموهبة، وهذا ما سبَّب نوعاً من التنمر بين المتعلمين وأصحاب الموهبة وكان يتوجب عليه حلّ هذه القضية لكونه مديراً للمسرح..
منحته مؤخراً وزارة الثقافة جائزة الدولة التقديرية لعام 2024 في مجال الفنون لإنجازاته المهنية، ودوره البارز في مختلف مجالات الفن سواء في المسرح أو التلفزيون أو السينما.
لحظة اللقاء
الكبير أسعد فضة الذي مازلت أذكر خوفي من لقاء هذه القامة سبق أن فتح قلبه لـ”تشرين” ليزيح من روحي رهبة الخوف التي لازمتني طوال فترة التحضير للحوار والتي خصني بها خلال فترة تواجده وتكريمه في نقابة الفنانين سنة 2022بابتسامة علت وجهه.. استقبلنا خلال تواجده في حفل تكريمه في نقابة الفنانين، عرّفت عن نفسي ظناً مني أنه لن يذكرني مع زحمة الأشخاص الذين يقابلهم، فبادرني القول مازلت أذكرك وأذكر ماكتبته في “تشرين”، وفي ملحق الدراما الذي كان يصدر عن صحيفتكم.. ذاكرتي قوية إلى الآن ولم تخني بعد، رغم أنني في الثمانين..
أسعد فضة الذي حفر اسمه بماء الذهب كأحد مؤسسي الدراما السورية، وأهم مسرحييها الذين واكبوا نهضة المسرح إبان ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لم يمنعه اشتغاله بالدراما والمسرح أن يخطو نحو السينما ليثبت أنه نجم بلا منازع.. شخصيات منوعة ومتعددة ولا دور يشبه الآخر، إشكالي، معقد، متزمت سلطوي.. صفات كثيرة قدمها النجم فضة ولعب شخوصها ببراعة، فهو يرسم الشخصية وينفذها بإتقان ليرسم بعداً آخر في تقديمها، ورغم أنه ليس ابن البيئة الشامية؛ فقد تربع على عرشها كأول فنان جسد دراما الحارة الشامية باقتدار، فمن منا ينسى “أبو كامل” وسطوته، و”أبو دباك” في مسلسل “هجرة القلوب إلى القلوب”، و”ابن الوهاج” في مسلسل “الجوارح”.. وغيرها ليكون نجماً لا يشبه أحداً..
سورية في قلبي
النجم العائد إلى سورية ترأس مجلس نقابة الفنانين مكرماً بعد أعوام على ترؤسه النقابة كنقيب بين 1998-2006، احتج على كلمة العائد وقال: أريد أن أوضح أمراً أنا لم أغادر سورية، فأنا وزملائي الفنانون كنا نسافر دائماً من أجل التصوير بين مختلف الدول العربية، وفي الفترات الماضية اعتذرت عن مسلسل “الكندوش” والجزء الثاني من مسلسل “سوق الحرير” ومسلسل “ضيوف على الحب” لأنني بت في عمر أحتاج فيه إلى الراحة، ولكلِّ عمرٍ نكهته الخاصة، فأنا لم أعد أحتمل مشقة التصوير وتعبه، وعندما أبلغني المخرج سمير حسين أن عمليات تصوير المسلسل ستكون في مدينة “دير علي” الإعلامية اعتذرت فوراً لكوني جربته مسبقاً وتعرضت لبعض المشكلات الصحية بسبب البرد وغيرها من الأمور، ولكن هذا لا يعني أنني لا أريد العمل، فمنذ بداية مسيرتي الفنية واكبت انطلاقة عمليات التصوير في استديو” 1″ في دمشق، واستديو” 2 ” في اليونان، واستديو” 3 “ في دبي” أي أننا ممثلون جوالون وفي حالة ترحال دائمة، وأنا أينما ذهبت في الدنيا، وفي أي مكان في هذا الكون فسورية في قلبي، وبالمناسبة أنا موجود في الإمارات في مهمة بسبب الفن السوري الذي حاول البعض محاصرته ولأساند فنانينا وأدعمهم كي يشاركوا في المهرجانات، ويقدموا إبداعهم وينقلوه إلى العالم، فالفنان السوري مبدع أينما ذهب حتى بعض الذين اتخذوا مواقف أخطؤوا فيها بحق البلد، حققوا حضوراً لافتاً، وأنا أثق أن النقابة تسعى لإعادتهم إلى حضن الوطن، ومن خلال حديثي مع البعض اكتشفوا حجم الخطأ الذي وقعوا فيه بمغادرة وهجرة تراب هذه الأرض..
شخصيات حياتية
وعن سرّ تلازم الشخصيات التي أداها باسمها وحفرت بذاكرة المشاهد قال: أنا أعتز بها وسأروي لك حادثة سمعتها بين موظفي إحدى دوائر الدولة عندما كانوا يتحادثون فيما بينهم عن سلوك خاطئ يقوم به أحد الموظفين فقالوا: إنه مثل “أبو دباك” وكان حينها قد نال مسلسل “هجرة القلوب إلى القلوب” صدى طيباً بين الناس، وحفرت شخصياته في ذاكرة الجمهور، واستطاع عبر كل شخصية من شخصياته أن يترك أثراً بمفردة معينة استقاها الجمهور من السلوك الذي سلكته هذه الشخصية عبر مجريات العمل ومنحنياته، وهذا أمر أسعدني فذلك معناه أن الشخصية عاشت مع الناس، ويشير إلى أننا نسير على الخط الصحيح بالتأثير في ذاكرة الجمهور والتي لا يمكن لأيٍّ منا أن يتخلى عنها.
قواعد درامية وقناعة فنية
وعن قراءته لواقع الدراما السورية ، وسبب أن شخصياتها لم تعد تحقق أثراً كبيراً وربما تكاد تعلق في ذاكرة المشاهد السوري، يجيب بأن هناك أسباباً كثيرة منها الاشتغال السريع الذي لم يرتكز على قواعد درامية صحيحة، فالدراما لها خصائص يجب أن نتبعها لكون الشخصيات المزروعة في الذاكرة تشعر المرء أنه على تواصل مع هؤلاء الناس في المجتمع، وليس بمقدور الفنان أن يدير ظهره لهم، فهو منهم وإليهم، حتى لو قام أسعد فضة بذاته بالعمل في مصر..
ويستذكر الفنان فضة حادثة لمدير إحدى الشركات المصرية وصاحب إحدى أهم الشركات في الصناعة الدرامية والسينمائية، فقد قام بإحضار نصي سيناريو لعملين مصريين وطلب منه قراءتهما ولكنه رفضهما وأخبره صراحة بأن الجمهور العربي الذي يعرف أسعد فضة في الدراما العربية لن يقبله وهو يتحدث باللهجة المصرية، فصدم من إجابته، وأضاف: أنا حتى الآن لم أقتنع أن أعمل وأقدم دوراً باللهجة المصرية، علماً أنني درست بمصر وعشت فيها أكثر من خمس سنوات، وقدمت أعمالاً حين كنت طالباً هناك باللهجة المصرية، فليس لدي مشكلة باللهجة، ولكن عندي مشكلة مع الجمهور.. وتساؤل دائم يشغل بالي: هل سيقبل الجمهور أسعد فضة باللهجة المصرية؟!
تكامل الشخصية
وعن رأيه بالفن كرسالة ومسؤولية مجتمعية مهمة نبيلة يجيب الفنان فضة: في خضم الاضطراب الذي يشهده العالم أعتقد أن شخصية الفنان يجب أن تنحو باتجاه تحقيق التكامل خاصة في ظل ثورة الاتصالات والتكنولوجيا والمنصات الدرامية، لذا يجب عليه أن يواكب هذا التطور على صعيد الأداء والاشتغال على الشخصية و”النبش” في أعماقها كي يكون صاحب حضور مؤثر، فالفنانون في معظم دول العالم يصنفهم البعض قادة رأي ولا نستطيع أن ننكر تأثيرهم في عقول الناس وحياتهم الاجتماعية، لذلك هي مهمة محفوفة بالمخاطر وتحتاج أن يكون الفنان مسؤولاً بالضرورة عما يقوله وما يقدمه.. ونوّه الفنان فضة بالتطور النوعي الذي تشهده الدراما، وعبّر عن اعتزازه لكون هذا التطور أسهم في نهضة الدراما العربية وكان جزءاً من تقدمها..
منجز فني ضخم
الجدير بالذكر أن الفنان أسعد فضة بدأ رحلته الفنية في الستينيات انطلاقاً من الإخراج إلى التمثيل، حيث تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة سنة 1962، وأخرج العديد من العروض المسرحية، أشهرها: الإخوة كرامازوف، الغريب، سهرة مع أبي خليل القباني، حرم سعادة الوزير، دون جوان، التنين،.. وغيرها الكثير.
وفي السبعينيات انتقل إلى التمثيل في الدراما التلفزيونية والسينما، وتنوعت أعماله بين التاريخية والاجتماعية المعاصرة وأعمال البيئة الشامية والساحلية، ومن المسلسلات التي شارك في بطولتها: بلقيس ملكة سبأ، الوصية، الرحيل إلى الوجه الآخر، العبابيد، نزار قباني…، ومن أفلامه: (ليالي ابن آوى) الذي نال عنه جائزة أفضل ممثل في مهرجان دمشق السينمائي، وفيلم «رسائل شفهية، وقمران وزيتونة».
كما شغل أسعد فضة عدة مناصب حيث كان مديراً للمسرح القومي عام 1967، وفي العام 1968 ترأس المركز الدولي للمسرح في سورية، وأصبح نقيباً للفنانين السوريين لفترتين متتاليتين؛ مدة كل منهما أربع سنوات. وتقلد منصب مدير المسارح والموسيقى التابعة لوزارة الثقافة كما تبوَّأ منصب المدير لأهم ثلاثة مهرجانات سنوية في سورية هي: مهرجان المحبة في اللاذقية، مهرجان بصرى الدولي في درعا، ومهرجان دمشق المسرحي. وقد تمّ تكريمه سنة 2006 بإطلاق اسمه على صالة «المسرح القومي» في اللاذقية.
أقرأ أيضاً: