لا تأتي محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من خارج سياق الفوضى السياسية الداخلية التي تعتري أمريكا في هذه الأيام، بل تأتي نتيجة طبيعية لهذا السياق ولسياق الانقسام الأفقي والمجتمعي والشعبي القائم في الولايات المتحدة والمليء بالتحديات المستقبلية التي تهدد كينونة دولة مثل أمريكا.. وهذا يقود إلى أن واشنطن عندما تتحدث عن تهديدات خارجية مزعومة إنما تحاول بذلك التغطية على ما يجري في الداخل وهو ما كشف عنه السباق الرئاسي القائم وتجاذباته، وإذا وصل الأمر إلى الحديث عن انهيار الولايات المتحدة فحتماً الانهيار سيكون داخلياً ولو أنه ليس في الوقت الراهن بل سيأخذ وقتاً وسنوات ليس قليلة في مجمل الأحوال.
محاولة اغتيال ترامب كانت على مدى الفترة الماضية إحدى السيناريوهات المطروحة بقوة بل المرتقبة والمتابع للمشهد الأمريكي وضع هذا الاحتمال في مقدمة السيناريوهات التي منها تزوير الانتخابات وتمرد الجيش في حال فوز ترامب في محاولة لإبعاد ترامب نظراً لما يشكله من تهديد لمصالح شريحة كبيرة في المجتمع الأمريكي من وجهة نظر الأطراف الرافضة لترامب، وبغض النظر إذا كانت محاولة الاغتيال نابعة من دوافع شخصية للمتهم الذي لقى حتفه على الفور أم أنها بتحريض من الحزب الديمقراطي نتيجة ضيق الخيارات أمامه في إيجاد بديل لبايدن وبالتالي تبدو النتيجة محسومة لصالح ترامب منذ الآن أم إنها مجرد مسرحية انتهت بمقتل المؤدي ونجاة «البطل» ترامب.. لكنها لا تخفي ما هو أهم من هذا السجال الانتخابي، حيث أن الولايات المتحدة تعيش حالة تشرذم واضح وتنطوي حقيقة الصراع على أبعاد تتجاوز قضية الانتخابات لتقود إلى القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
والمتابع أيضاً للمشهد الأمريكي يدرك أن هناك مسار يسبق ما وصل إليه حال الولايات المتحدة، متعلق بقضية السلاح وتسليح المواطن الأمريكي بدعوى «الحفاظ على الهوية والمصالح» ولاحقاً موضوع انفصال تكساس والفوضى التي شهدها تطور هذا الحدث، واستبعاد ترامب من المشاركة في الانتخابات الفيدرالية ليكون لاحقاً من أشد الخصوم وأقوى المنافسين والأوفر حظاً ولاسيما بعد محاولة الاغتيال أقله راهناً، من دون أن ننسى مسألة الدين الأمريكي ونقص الأموال المتزايد الذي تواجهه الولايات المتحدة وبنوكها وشركاتها ⁷وهجوم الكابيتول عام2021 الذي قدم مشهداً غير مسبوق في التاريخ الأمريكي، وبالتالي هذه مجموعة مقدمات قد تبدو عابرة لكنها تنخر عميقاً في المجتمع الأمريكي وبنيته.
قد يستبعد الكثيرون حصول حرب أهلية في الولايات المتحدة ويجادل أولئك أنها «دولة عظمى» «متماسكة» ناهيك عن الهيمنة التي لم تنتهِ بعد رغم أنها في طريقها إلى الأفول، لكن لابد من تذكير أولئك بالحرب الأهلية الأمريكية الأولى والعوامل التي دفعت إليها وأبرزها الخلافات الحادة بين النخب السياسية والتي لا تختلف عن اليوم.
تنويه: يقول ستيفن مارش: «اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية للمرة الأولى يؤكد أن اندلاعها للمرة الثانية احتمال لا يمكن التشكيك فيه».
هبا علي أحمد
325 المشاركات