التباس
ككلِّ جديدٍ في العالم العربي، لا يُقبل الإبداع الذي يخرج عن النسق بسهولة، وسيتحمّل من يخرج عن الركب الكثير من “اللعنات” حتى يُبجّل فيما بعد لاكتشافه دروبٍ جديدة…
حصل ذلك مع الكثير من الانعطافات الجديدة في الجنس الإبداعي نفسه، مثالٌ جليٌّ على هذه الحالة؛ ما حصل من انتقال في الشكل الشعري وحتى في بُنيته؛ من الموزون وشعر العمود والقافية إلى شعر التفعيلة، الذي لم يلبس طويلاً حتى انتقل لشكل قصيدة النثر، وهي اليوم – قصيدة النثر- وبعد مرور ما يُقارب مئة سنة على إرهاصاتها الأولى، لا تزال تُلاقي بعض “السلفيين الثقافيين” الذين يرجمونها كلما تمكنوا من ذلك.
وهكذا كان حال القصة القصيرة جداً التي جاءت كانعطافة جديدة في القصة القصيرة والشعر معاً منذ تسعينيات القرن العشرين؛ هذه الانعطافة التي أظهرت للساحة الإبداعية هذا الشكل من الإبداع الذي كرّستّه الكثير من الفعاليات الثقافية.. هذا الشكل الإبداعي الذي لا يزال يغذُّي السير في دروب المشهد الثقافي العربي، يتعثر هنا، ويتقافز هناك، وقد يوضع في أقفاصٍ في مناطق أخرى، أو يُنظر إليه شذراً في غيرها.
ولعلّ أبرز ما ساهم في هذا التطور العقلاني لفن القصة القصيرة جداً في سورية على مدى ما يُقارب من عقودٍ ثلاثة؛ كانت حفاوة الإعلام بهذا الشكل الإبداعي في البداية، حيث كتبت مئات المقالات والتحقيقات الصحفية حول القصة القصيرة، كان الكثير منها ساخراً مُتهكماً، ومع ذلك أفادها كثيراً، ولاسيما أن الجنسين الإبداعيين اللذين تطورت عنهما – الشعر والقصة القصيرة – وصلا إلى ما يُشبه المرافئ الأخيرة، أو على الأقل الوقوع في مطب المُحترف الواحد ومن ثمّ التشابه.
ومن عوامل تطور القصة القصيرة جداً؛ إصدار العديد من المجموعات القصصية، كان سمة الكثير منها “المجموعات المشتركة”، الأمر الذي أتاح الاطلاع على الكثير من النماذج، ومن ثم كانت الملتقيات التي أقيمت في غير مُحافظة سورية طوال عقد التسعينيات، الأمر الذي قربّها من الحالة الشعبوية وإخراجها قليلاً من النخبوية، ومن ثمّ ترهلت خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، لكن مع بداية العقد الثاني منها؛ تلقى فن القصة القصيرة جداً دفعة قوية في مسيرته بتأسيس (الملتقى السوري للنصوص القصيرة – الأدب الوجيز).. غير أنّ محنة الـ(ق ق ج) اليوم، كانت في الفعل الماضي، وهو ما سنحكي عنه في مقالاتٍ لاحقة..
هامش:
………….
حصة الرسم
على السبورة؛ رسمَ المدرسُ بركةَ ماء..
أحدُ تلاميذه ممن أقنعوه أنّ المُعلم كادَ يكون رسولا؛ خلع ثيابهُ، وهمَّ بالسباحة.
أخذَ بقيةُ التلاميذ يحذون حذوه، ليتسعَ حجمُ البركةِ آخذاً مساحة الصفِّ كلها، والتلاميذ داخلها حُفاةٌ عُراة، باستثناء المُدرس، وتلميذٌ آخر بقي واقفاً على حافة البركة، وفي فمه صفارة يُنبّه رفاقه من خطورة الاقتراب من المياه العميقة.