زراعة القطن “تحتضر” في الحسكة بسبب عدم توافر مستلزمات الإنتاج وحوامل الطاقة والأيدي العاملة
الحسكة – خليل اقطيني:
بالأمس كان القطن السوري من أجود أنواع القطن في العالم، ويصدر إلى الدول الأوروبية بكميات كبيرة، لتصنع منه أفضل أنواع الملبوسات القطنية.
اليوم زراعة القطن في محافظة الحسكة خلال الموسم الحالي 2024 انتهت، ووفق التقرير الصادر عن مديرية الزراعة في المحافظة، والذي تلقت “تشرين” نسخة منه، بلغت المساحة المزروعة 4775 هكتاراً، من المساحة المخططة البالغة 5450 هكتاراً.
وبقراءة متأنية للبيانات الواردة في هذا التقرير، يتبين أن المساحة المخططة في هذا الموسم لم تُزرَع بالكامل. رغم إن المساحة المخططة بالأساس قليلة، مقارنة مع ما كان يُخطط ويُزرع في المواسم السابقة بمحصول القطن. ففي بعض المواسم وصلت المساحة المزروعة في محافظة الحسكة إلى 100 ألف هكتار، أنتجت نحو نصف مليون طن. وهذا “الإفراط” بالزراعة والإنتاج لهذا المحصول، يعود الى توافر البيئة المناسبة لذلك، ولاسيما توافر المياه، وخاصة في نهر الخابور، حيث كانت تزرع على ضفتيه آلاف الهكتارات. يضاف إلى ذلك توافر مستلزمات الإنتاج من بذار وسماد وحوامل طاقة بكميات جيدة وأسعار مناسبة، وكذلك الأيدي العاملة ومعدات ومستلزمات العمل.
لكن ما إن جَفّ نهر الخابور، وبدأ مخزون المياه الجوفية بالانخفاض، واشتد الحصار على سورية، حتى بدأ المؤشر البياني لزراعة القطن في الحسكة بالانحدار. فانخفضت المساحة المزروعة إلى النصف، من 100 ألف إلى 50 ألف هكتار. ثم استمر الانحدار بسبب الظروف والعوامل التي أفرزتها الحرب الكونية على سورية. فانتقلت مستلزمات الإنتاج من الوَفرة إلى النُدرة، وارتفعت أسعارها بشكل متسارع، والأيدي العاملة الماهرة اضطرت إلى الهجرة تحت وطأة ضغوط الإرهاب والاحتلال، إلى أن استقرت المساحة المزروعة على نحو 16 ألف هكتار.
بلغة الأرقام
فحسب مدير الزراعة المهندس علي خلوف الجاسم كانت المساحة المخططة لزراعة القطن في محافظة الحسكة عام 2019 تبلغ 16.6 ألف هكتار. وكانت المساحة الفعلية المزروعة بالمحصول في المحافظة خلال موسم 2020 لا تتجاوز 3400 هكتار. وفي موسم 2021 كانت المساحة المخططة 16 ألفاً و779 هكتاراً، إلا أن المساحة المزروعة في هذا الموسم لم تتجاوز 4679 هكتاراً في مختلف مناطق الاستقرار الزراعي. وبناء على ذلك قامت مديرية الزراعة بتخفيض المساحة المخططة في موسم 2022 إلى 6754 هكتاراً، زُرِعَ منها 5910 هكتارات، أنتجت نحو 19 الف طن. وفي الموسم الماضي 2023 كانت المساحة المخططة لزراعة القطن هي المساحة ذاتها التي تم تخطيطها خلال الموسم الذي سبقه. إذ بلغت 6800 هكتار، وبلغت المساحة المزروعة 6135 هكتاراً. وصل إنتاجها إلى 21500 طن في عموم المناطق المزروعة، حيث بلغ إنتاج الدونم الواحد قرابة 350 كغ. أما في الموسم الحالي فلم يزرع الفلاحون سوى 4775 هكتاراً، من المساحة المخططة البالغة 5450 هكتاراً.
تراجع زراعة محصول القطن بنسبة 95% .. وتراجع عدد المزارعين من ألفي مزارع إلى 15 مزارعاً فقط
تراجع حاد
وبين الجاسم أن هذه البيانات تشير إلى أن زراعة القطن في محافظة الحسكة تراجعت بشكل حاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، فقد سجل المحصول أدنى مستوى له منذ زمن طويل.
موضحاً أن محافظة الحسكة، كانت تساهم في 38% من إجمالي إنتاج سورية من محصول القطن سنوياً، إلا أن هذا الإنتاج تراجع، خلال السنوات الأخيرة، بشكل كبير. حيث كان متوسط إنتاج المحافظة من القطن قبل عام 2011، يصل إلى أكثر من 237 ألف طن سنوياً. لكن في موسم 2014 لم تتجاوز المساحة المزروعة بهذا المحصول 20 ألف هكتار. وكان عدد مزارعي القطن في محافظة الحسكة قرابة ألفي مزارع، أما الآن فلا يتجاوز عددهم 15 مزارعاً، بسبب تراجع الإنتاج، من جراء عدم توافر المحروقات كالسابق، وعدم توفر بذور محسنة وأسمدة ومبيدات حشرية، بالإضافة إلى توجه المزارعين إلى زراعة محاصيل أخرى كالكزبرة والكمون وغيرها.
ويضيف الجاسم سبباً آخر لعزوف الفلاحين عن زراعة القطن إلى الأسباب السابقة، وهو عدم وجود مركز لاستلام الأقطان في المحافظة منذ عدة سنوات، ما اضطر الفلاحين إلى بيع الإنتاج للتجار في الأسواق المحلية، بأسعار أقل بكثير من السعر المحدد من قبل الحكومة، كما حصل في الموسم الماضي، حيث اضطر الفلاحون إلى بيع إنتاجهم من القطن للتجار بنصف السعر المحدد من الحكومة، وهو 10000 ليرة للكيلو الواحد.
%95 نسبة التراجع
ويشير الجاسم إلى أن المساحة المزروعة بالقطن في محافظة الحسكة تراجعت منذ العام 2011 وحتى الآن بنسبة 95 % تقريباً، فقد كان هناك نحو 53 ألف هكتار تُزرَع سنوياً بهذا المحصول، في حين لا تصل المساحات المزروعة الآن إلى 5000 هكتار.
حيث تراجعت زراعة القطن لمصلحة محاصيل أخرى أقل تكلفة، وتحتاج رعاية محدودة، إذا ما قورنت مع محصول القطن، الذي يعدّ من المحاصيل المجهدة للتربة والشرهة للماء، ويحتاج الكثير من الإجراءات طوال فترة نموه وجنيه.
كما أرجع الجاسم سبب انخفاض المساحات المزروعة بالقطن إلى غلاء مستلزمات الإنتاج، والظروف الجوية غير الملائمة، ومنافسة المحاصيل الأخرى التي لا تحتاج كميات كبيرة من الري والسقاية والاهتمام الزراعي.
المرتبة الأولى كماً ونوعاً
يشار إلى أن محافظة الحسكة كانت قبل الحرب الكونية التي شنتها قوى الشر والعدوان على سورية، تحتل المرتبة الأولى بإنتاج القطن. فقد كان إنتاج المحافظة يصل إلى 38% من مجمل إنتاج القطن في البلاد، تليها الرقة بـ 24%، ثم حلب بـ 16%.
وكان القطن السوري من أجود أنواع القطن في العالم، ويصدر إلى الدول الأوروبية بكميات كبيرة، لتصنع منه أفضل أنواع الملبوسات القطنية.