العملات الإلكترونية المشفرة تتحول إلى سلاح مهم بإدارة المعارك .. والاقتصادات التي تواجه صعوبات وتحديات تجد ضالتها بالعملات الرقمية
تشرين – يسرى المصري:
لم تعد الحروب الاقتصادية تقليدية وما خفي فيها أعظم، فالحروب اليوم بسبب التقدم التكنولوجي هي حروب تقنية بالدرجة الأولى وكما نشاهد ونسمع اليوم باتت سيبرالية وعلى الفضاء ومن يمتلك المنصات ووسائل التواصل والنت يمتلك اقتصاداً قوياً عابراً للعقوبات, ووسط الصراعات نجد أن العملات الإلكترونية المشفرة تحولت إلى سلاح مهم في إدارة المعارك .
وفعلاً بدأت الدول تستخدمها لتخفيف وطأة العقوبات، بينما نجد دولاً أخرى تعتمد عليها في الحصول على تبرعات وتمويل وسد الاحتياجات الضرورية.
ويرى المحلل الاقتصادي أنس نغنغ أن العملات الذكية باتت صديقة للاقتصاديات التي تواجه صعوبات وتحديات وعقوبات، لذلك ترحب المزيد من الدول بعمليات التعدين وتشجعها.
وحول زيادة التعامل بالعملات المشفرة مؤخراً بيّن المحلل الاقتصادي نغنغ أنه من المرجح أن يكون هذا تكتيكاً لنشر الوعي حول مأزق الحرب والعقوبات، إضافة إلى ترحيب الدول بقبول العملات المشفرة، وإيجاد ضجة عبر مجتمعات وسائل التواصل الاجتماعي.
وبين نغنغ أن ما يجري حالياً يعد أول تعامل كبير بالعملات الإلكترونية في عصر التشفير وهو ما يعني أيضاً، ولأول مرة على الإطلاق، أنه توجد أداة يمكنها نقل مليارات الدولارات بسهولة عبر الحدود وهي متاحة ليتم استخدامها من قبل الدول، وعبر المنصات لتوجيه دعوات لنقل حسابات من خلال العملات المشفرة، ونشر عناوين المحافظ الرقمية للرموز بما في ذلك بيتكوين وإيثيريوم والعملة المشفرة المستقرة المربوطة بالدولار Tether.
ووفقاً لشركات تحليل، تم خلال الأيام الماضية تحويل عشرات الملايين من الدولارات من خلال آلاف الحسابات بالعملات المشفرة .
طفرة ملحوظة في انتشار العملات المشفرة في إفريقيا
سرَّع انغماس إفريقيا في عصر الهاتف المحمول، من وتيرة انخراطها في العروض والخيارات التي توفرها العوالم الرقمية، أملاً في أن يكون اعتماد الرقمنة مدخلاً لتغيير أوضاع الأفراد وتطوير المجتمعات في القارة.
يفسر هذا الإقبال المتزايد للأفارقة، أفراداً وحكومات، على سوق العملات الرقمية، حيث شهدت أسواق عدة مناطق في القارة، في الغرب والشرق وحتى الجنوب، تزايداً مثيراً في اعتمادها، واتساعاً في نطاق تداولها بين المواطنين.
تتحدث بيانات مؤشر اعتماد العملات العالمي (Chain Analysis)، برسم سنة 2023، عن طفرة ملحوظة في انتشار العملات المشفرة في إفريقيا، وباتت دول القارة تنافس على صدارة قائمة البلدان التي تستخدم هذه العملات.
وجاءت نيجيريا في المركز الثاني عالمياً، بعد الهند، بنحو 66 %، محققة قفزة بتسع درجات عن عام 2022، في تصنيف يضم 156 دولة، وهكذا أضحت صاحبة أكبر اقتصاد إفريقي للعملات المشفرة، فهي ضمن الدول الست الأولى من بين 50 دولة، من حيث حجم هذه العملات، الذي نما بمعدل سنوي بنحو 9 %.. فيما بلغ معامل هذه العملات نحو 12 % من الناتج المحلي الإجمالي في البلد، أما نسبة امتلاك الأفراد لهذه العملات فبلغت 10 %، ما يعادل نحو 22 مليون شخص.
كلها مؤشرات دفعت الحكومة النيجيرية إلى الموافقة على سياسة بلوك تشين وطنية، رغبة في إضفاء الصفة القانونية على هذه العملات، وإطلاق البنك المركزي النيجيري عملة رقمية “eNaira” خاصة بالدولة.
وحاولت كينيا مسايرة اهتمام المواطنين بهذه العملات، بعدما باءت تحذيرات البنك المركزي عام 2015 من التعاطي معها بالفشل، خصوصا أنها تتمتع بواحد من أعلى المعدلات العالمية لامتلاك تلك العملات (8.5 %)، ما حدا بالحكومة إلى صياغة مشروع قانون يعترف بهذه العملات، ويسعى لإطلاق عملة رقمية محلية (وورلد كوين)، قبل صدور قرار يقضي بتعليق المسألة، حتى وقت لاحق، شهر آب الماضي.
غانا بدورها تفوقت في الترتيب على دول مثل: هونغ كونغ وسنغافورة والبرازيل.. بعد احتلال المركز التاسع عالميا من حيث اعتماد العملات المشفرة، رغم غياب التنظيم القانوني للمجال.. فنسبة امتلاك الغانيين لها بلغت 17.3 %، أي 3.1 مليون مواطن، ما يعني تجاوز نسبة 15 % التي تمثل المتوسط العالمي.. وكلها مؤشرات حولتها الحكومة إلى مورد ضريبي، بإقرارها ضريبة إلكترونية بنسبة 1.5 % على الخدمات المالية الرقمية، منذ عام 2022.
وكانت حكومة موريشيوس سباقة إلى طرح أول قانون لخدمات الأصول الافتراضية والرموز الأولية، أما جمهورية إفريقيا الوسطى فهي ثاني دولة في العالم، بعد السلفادور (2021)، تقوم بتقنين البيتكوين لتصبح عملة رسمية، في ربيع عام 2022.
سوق نشيطة لا تغيب عن أعين المؤسسات المالية في جنوب إفريقيا، فقد صرح الرئيس التنفيذي لمصرف “ستاندر بنك”، أكبر بنك في إفريقيا، بأنه يراقب التطورات في العملات المشفرة، لكن لا يستعجل الدخول إلى السوق، “نواكب العالم، لكننا لا نريد أن نكون من الرواد.. نريد أن نكون من اللاحقين بالركب”.
يبدو أن الأفارقة قد وجدوا ضالتهم في الأموال الرقمية لما توفره من مزايا، فهي سريعة التداول عبر الحدود، مع قلة رسوم الصرف مقارنة مع الأنظمة المالية التقليدية، ناهيك عن فاعليتها الدائمة في ظل محدودية الوصول إلى الخدمات المصرفية، فضلاً عن نجاعتها بالنسبة للأفارقة المغتربين، حتى في حالة الطوارئ، بعيداً عن بيروقراطية الوسطاء (الأبناك، وكالات التحويل).
حل براق يعِد بثورة في الأنظمة المالية وتحفيز للنمو الاقتصادي في ربوع القارة، متى تم تذليل الصعوبات التي تواجهه، من محدودية الربط بشبكة الإنترنت، فمثلاً 10 % فقط من سكان إفريقيا الوسطى يستطيعون الوصول إلى الإنترنت.
ولتوضيح مواقف أغلب الحكومات حيال التعامل بهذه العملات تم إقرار نصوص قانونية لتنظيم المجال لقطع الطريق أمام توظيفات غير مشروعة (تمويل الإرهاب، غسيل الأموال..) بدل نهج أسلوب تخويف الأفراد وتحذيرهم باستمرار من مخاطر الركون إلى المال الرقمي.