ترهل محسوب!..
ما يحدث اليوم من ترهل كبير في الوظيفة العامة والخاصة , يثير الكثير من القلق وحالة من الاستغراب لدى أهلها يستدعي التفكير ملياً في انعكاسها على الوضع العام ، وما تفرضه من نتائج لا تحمد عقباها على صعيد العملية الإنتاجية وما تتركه أيضاً من حالات سلبية على الواقع المعيش من جهة , وعلى الناتج الإجمالي المحلي من جهة أخرى..!
وعند البحث في تفاصيل ذلك نجد أن هذه الحالة انعكاس طبيعي لتبعات الحرب التي عصفت بكل مكونات المجتمع، وفرضت ثقافة جديدة , وما أدراك ما هي , وما مفاعيلها وتأثيراتها السلبية على التفكير وعلى السلوك الاجتماعي وحتى الأخلاقي, وما نراه اليوم على مستوى الوظيفة العامة على اختلاف مستوياتها, وعلى الأخص الوظيفة المنتجة, يجعلنا في حالة خوف على مستقبلنا, ومستقبل مجتمعنا ومكوناته, نتيجة ظروف معيشية هي الأقسى في تاريخ بلدنا , فالحالة العامة عدم الرضا , تتبعه قلة مدخول ومعيشة تتراجع في مستواها, وعدم اكتفاء من حاجاتها, وحزن في النفوس, والجميع يجعل أسبابه في تبعات الحرب الكونية وما حملته من مشكلات ضاغطة أفرغت المفهوم الوظيفي من معناه وجعلت من العامل, أو الموظف أشبه بآلة يستجيب فيها بصورة لا إرادية لواقع لا يريده , لكنه في الوقت نفسه بأمس الحاجة إليه , إلى جانب ثقافة التفكير بطرق أخرى لتعويض حالة النقص.
هذا من مفرزات الحرب , لكن في المقلب الآخر مفهوم الوظيفة منذ عقود لم يتغير ولم يتطور بما يتفق مع المستجدات الوظيفية, سواء على صعيد العامل التقني أم المادي, لأن المدخول أقل بكثير مما هو مطلوب, والبحث عن البدائل هو الحالة الضاغطة وبصورة يومية على الوظيفة العامة, والتي تحد من قدرة العامل على التجاوب , أو حتى التفكير بالتطوير والتحديث وهذه أيضاً مسألة مازالت ملازمة للجميع وحلها مرتبط بشيء أشبه (بالمستحيل..!) في ظل ظروف مفرداتها السلبية تتفاقم يومياً , ومكونات معيشة تذوب مع حالة التضخم وارتفاع الأسعار وغير ذلك من أسباب تزيد من ترهل النفوس قبل الوظيفة, منها على سبيل المثال (شخصنة الوظيفة , مفهوم الفائدة والاستفادة من المال العام بحجج أقلها ضعف رقابة الضمير قبل رقابة القانون , وظهور فساد بصور مختلفة خرجت عن فساد المال والإدارة واستغلال المناصب , والسلوك الوظيفي وما يحمله من تهرب من المسؤولية والهروب من مواقع العمل , وتقاضي الاستحقاقات المادية والتعويضات وغيرها , وهم قابعون في المنازل أو في المتنزهات العامة , وقلة منهم في مواقع عمل أخرى , وكل ذلك ليس بالجديد على الوظيفة, وإنما زادت واستفحل أمرها, إلى درجة التعاطي بها جهاراً من دون حساب لسلطة القانون ..!
والأخطر أن الجهات العامة في إستراتيجياتها تتحدث عن مفهوم الوظيفة, وتطويرها , لكن كل ذلك لم يرقَ إلى المستوى المطلوب , لأن طريقة التعاطي تبقى في إطار النظريات ورسم الخطط من دون البحث في الأسباب ومعالجتها بصورة تسمح بتطوير مكونات الوظيفة , وفي مقدمتها المكوّن البشري وتأمين حاجاته وتوفير الراحة النفسية التي يستطيع من خلالها الانطلاق إلى مواقع الإبداع وتطوير الواقع بصورة مستمرة، وهذا أقل ما نحتاجه للخروج من هذا المأزق الذي أصاب الوظيفة بنوع من الشلل , فهل تدرك الجهات العامة خطورة ما يحدث؟.
Issa.samy68@gmail.com