أين أوروبا؟
أسئلة كثيرة كانت مثار نقاش قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة.. زيارة واضحة الأهداف والأجندات ولاسيما على خلفية التطورات الحاصلة إقليمياً ودولياً وخاصة الأزمة الأوكرانية وما يرتبط بها من أزمة طاقة قلبت الموازين الاقتصادية، وتلك الأسئلة كانت تتمحور حول ماذا في جعبة بايدن؟ وماذا سينتج عن زيارته إلى المنطقة؟ وعلى ماذا سيتم الاتفاق وعلى من؟ وهل سيعود إلى بلاده خالي الوفاض أم في جعبته الكثير؟.
البحث اليوم عما بعد الزيارة، فكما قيل إن بايدن عاد كما أتى، ولكن ما خلف السطور يمكن استنتاجه في القادم من الأيام، سواء مع علاقة بايدن مع السعودية تحديداً وكيفية توجهها من دولة” منبوذة” إلى دولة لا نعلم ماذا ستكون في حسابات بايدن، أو فيما يتعلق بأزمة أسعار الطاقة، إذ ليس من المعقول أن يزور الرئيس الأمريكي السعودية ويعود خالي الوفاض، حتى لو كانت الأحاديث دارت خلاف ذلك.
وعندما نتحدث عن القادم، ليس على المستوى العسكري والسياسي حيث كثُر الحديث عما يسمى “ناتو عربي” أو “ناتو شرق أوسطي”، والموضوع ليس بالجديد، إذ نذكر حديثاً مماثلاً في عهد دونالد ترامب والتحشيد ضد إيران، وندرك الأجندات الأمريكية العسكرية المعدة للمنطقة والتي تقود بالنهاية لضمان “أمن إسرائيل”.
بل عندما نتحدث عن القادم، هو ما يرتبط بالموضوع الاقتصادي والحاجة الأمريكية اليوم للسعودية عندما يتعلق الأمر بأسعار النفط وزيادة الإنتاج بخلاف ما اتفق عليه في “أوبك+” مع روسيا. إذاً أمريكا تبحث عن منقذ اقتصادي لتعديل الموازين وبشروطها، بعدما أفرزت الأزمة الأوكرانية واقعاً كان مفاجئاً حتى للمحللين السياسيين، فكيف إذاً الأمر مع سياسيين على مستويات عالية، والإنقاذ هنا ليس إنقاذاً للاقتصاد الأمريكي بقدر ما هو إنقاذ للصورة الأمريكية المهتزة في مواجهة روسيا ولكن بنكهة اقتصادية.
أجندات الزيارة كانت واضحة مسبقاً كمواجهة روسيا والصين وإيران، والحديث كما ذكرنا عما يسمى”ناتوعربي”، ليس إلا حديثاً ظاهرياً ومعروفاً، حيث إن التوجهات الأمريكية ومنذ عقود محددة وهي في صميم استراتيجيتها، وتأتي الأحداث لتؤكدها فقط ، بينما خلف الستار تكمن الحاجة الأمريكية.
لكن السؤال الأكثر أهمية، أين أوروبا من عملية الإنقاذ الأمريكية اليوم؟ هل هي موجودة في الفكر الأمريكي كشريك وحليف لابد من إنقاذه؟ ولاسيما بعدما أطلق الاقتصاد الأوروبي النار على رئتيه وهو الآن يختنق، على حد تعبير رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ولاسيما أنها -أي أوروبا- هي التي تحتاج إلى الإنقاذ الاقتصادي .؟.. ربما تكون الصورة هنا قاتمة نوعاً لأن أوروبا كانت عود الثقاب دائماً للحروب والفوضى الأمريكية وبالمحصلة تدفع الثمن وحدها، فمقارنة بسيطة بين ما آل إليه الاقتصاد الأوروبي اليوم بسبب الأزمة الأوكرانية وحال الاقتصاد الأمريكي ندرك أين أوروبا من عملية الإنقاذ الأمريكي، وندرك أن لها الفتات في النهاية، كما ندرك أن تحولات عالمية وإقليمية ودولية حدثت وبدّلت الاصطفافات، لكن يبقى للعلاقات السعودية – الأمريكية حساباتها، لذلك لابد من التريث قليلاً قبل الحكم بشكل نهائي.