الانتحار من بوابة البحر الأسود
تكشف التطورات في البحر الأسود التي تتجاوز كل الحدود -حسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- أن الوضع المتوتر بين الاتحاد الروسي وحلف شمال الأطلسي “ناتو” اقترب من الانفجار، حيث إن لا شيء يمنع الحرب ولاشيء يكبح تطور الأمور نحو الأسوأ، فمسارات التوتر في تصاعد والحرب قد تطرق الأبواب في أي لحظة، وحينذاك لن يكون لأي اتهامات عن منْ بدأ الاستفزاز أي معنى.
الوضع المتأزم مكشوف ولاشيء في الخفاء.. ضم أوكرانيا لـ”ناتو” كلمة السر والقضية المعلنة هي شبه جزيرة القرم، فـ”ناتو” لا يريد الاعتراف بنتائج الاستفتاء وعودة القرم لروسيا الأم، ورأسه أمريكا تبحث عن ملف يبقي الاستنفار الأوروبي ضد روسيا على حاله، لدق إسفين بين أوروبا وروسيا لمنعهما من شراكة اقتصادية إستراتيجية وخاصة في مجال الطاقة، فأوروبا منقادة فيما أمريكا تخاطر بها، فالكلمة العليا أمريكية، لكن الخسارة الأوروبية حتمية، اقتصادياً وعسكرياً إن حث الانفجار الكبير.
“ناتو” لا يتوقف عن استفزاز روسيا بمناوراته العديدة “غير المقررة” في البحر الأسود، وهو غير مبال بالعواقب، فعدم إجراء روسيا لمناورة “غير مقررة” منعاً للاحتكاك، لا يكفي لمنع “ناتو” عن المزيد من الانزلاق نحو حدود الصبر الإستراتيجي لموسكو، وعدم استعداده لفهم الرسالة الدبلوماسية الروسية هذه ينذر بأشد العواقب بالانتحار من بوابة البحر الأسود.
سلطات كييف بدورها تستغل العداء بين الأطراف وهي أكثر من غيرها تأخذ الأمور نحو التأرجح على حافة المخاطر الكبرى، لاعتبارات أكثرها داخلية وأهمها الوضع الاقتصادي المتردي، وخارجية لطموح سلطتها الحالية باللحاق بالاتحاد الأوروبي عبر بوابة “ناتو” العسكرية، ولحساسية اقتراب المنظومات العسكرية الأمريكية من الحدود الروسية على زيادة التوتر، فقد كشف رئيس مديرية المخابرات العسكرية في وزارة الدفاع الأوكرانية كيريل بودانوف أن الجيش استخدم للمرة الأولى منظومة الصواريخ الأمريكية المضادة للدبابات “جافلين” في دونباس.
التصريح الأوكراني هو كصب الزيت على النار، لجعل العودة إلى الوراء أكثر صعوبة.
كل الملفات بين الدول الكبرى عالقة عند نقطة الـ “لا حل” لكن التكلفة لأي حرب بينها ستكون كبيرة ووخيمة على السلم والأمن العالميين، ولا بديل عنها إلا بالبحث عن نقاط التلاقي، ورغم ضالتها وقلتها تبقى الجانب المقابل للكارثة والذي لا غنى عنه، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وجائحة كورونا.