أسرلة.. تهويد.. عبرنة
«أسرلة»، «عبرنة»، «تهويد».. و«الأسرلة» اقترنت بإعلان الكيان العبري المحتل لفلسطين عام 1948، وهو ما يسميه هذا الكيان الصهيوني شعار «حرب الاستقلال الأولى»، الذي سينتقل -حسب زعمه- إلى التهويد (حرب الاستقلال الثانية)، بعد مروره بما يسمى «العبرنة»، وهي تجريد المدن والقرى من أسمائها العربية.
وفلسطين التي كانت يوماً، وحسب الوجدان العربي المقاوم، تساوي في مساحتها 14 مليون كيلومتر مربع بمساحة الوطن العربي وتعداده الديموغرافي ككل، تقلّصت حدودها الوجدانية في الخاطر العام، وعادت مساوية لمساحة طبيعتها الجغرافية التي احتلّها الصهاينة عام 1948، ووجه الاختلاف الحاصل ناجم عن سياسات دول عربية لا تنتمي البتّة لمكونات الشارع العربي.
وما بعد «صفقة القرن» يشبه ما قبلها من قريب أعوام، حيث التطبيع يناور مريدوه بتحقيق حضوره بأشكال متعددة، من تطبيع واقعي وعملي، وتطبيع دبلوماسي وثقافي واقتصادي، وتطبيع ما قبل التفاوض، ليرتفع منسوبه عند بعض الدول الخليجية، وليصل حدّ الزيارات على أعلى المستويات الرسمية.
وعلى الخط العربي- العبري يعمل الغرب والكيان الصهيوني بكل الوسائل، وعبر أدواتهم في المنطقة، على تقسيم الأوطان والهويات الوطنية، وتوجيه البوصلة بعيداً عن القضية الفلسطينية، وحرفها إلى صراعات تخدم الكيان المغتصب لفلسطين والجولان العربي السوري.
أمريكا و«إسرائيل» تحاولان اليوم تحويل الصراع من عربي- إسرائيلي إلى فلسطيني- إسرائيلي، ولأن الانتصار السوري وتماسك الدولة السورية، انتصار للقضية الفلسطينية، ولأن سورية انتقلت من دولة ممانعة إلى دولة مقاومة، كان لابدّ لـ«إسرائيل» من بناء جدار تحتمي خلفه كالخلد الذي يعلم ما جنته مخالبه من تهديم وتخريب، ويعلم يقيناً أن المقاومة لابدّ ستدكّ «حصون» الاحتلال اللاشرعية.
مجدل شمس، عين قنية، بقعاثا ومسعدة، بلدات الجولان السوري المحتل الذي رفض «الأسرلة» والتهويد رغم الممارسات التعسفية والاستيطانية التي مارسها الاحتلال ضد أهلنا في الجولان، ورغم البؤر الاستيطانية، ورغم التهجير والتهويد لأسماء البلدات والشوارع، ورغم الترهيب والترغيب، لايزال الجولان صامداً بأهله إلى جانب وطنهم الأم سورية، شعباً وقيادة وجيشاً، بمواقف بطولية، وتصدٍّ لسلطات الاحتلال بإرث نضالي طويل، عبر تمسّكهم بعروبتهم وهويتهم العربية السورية، وتشبثهم بأرض الآباء والأجداد، ومواصلة النضال ضدّ «إسرائيل» لتحرير كامل الجولان.
وأيّاً كانت المخططات التي لن تكون آخرها «صفقة القرن» مادام الكيان الصهيوني يستخدم صهاينة وعملاء جدداً، وأتباعاً وخونة ومرتهنين في صوغ المؤامرات والهدم الناعم للقوى العربية، فإنه لابدّ من النهوض بأنماط جديدة من المقاومة تواجه المبادرات العدوانية المتغيّرة، التي يُعاد تدويرها بعد أن فشلت عسكرياً في تحقيق أهدافها، وما الممارسات الأمريكية العدوانية واستثمارها الأساطيل البحرية لفرض الحصار على سورية، واعتراض البواخر التجارية بحمولاتها من نفط ومواد غذائية إلا سلوكيات عدوانية لتعويض العجز العسكري.
ولأنّ المقاومة نهجٌ وفعلٌ دفاعي في حدّ ذاتها مادام اعتمدها الشعب ثقافة حياة وإرثاً نضالياً، لابدّ من أن تتمكن المقاومة من إسقاط المشروع الصهيو-أمريكي، فـ«إسرائيل» لم تتمكن، وطوال جولات التفاوض منذ مؤتمر مدريد 1991، من انتزاع أمتار من الجولان السوري المحتل، ولن تستطيع اليوم، ورغم الحرب التي استعرت على سورية، أن تنسينا -مادمنا أحياء، ومادام هناك طفل سوري يولد بخانته الجولانية السورية الرافضة للتهويد- أن في خاصرة الخريطة السورية أرضاً محتلة، ولابدّ من تحريرها في القادم القريب من الأيام.