ما يعتمل في أذهان وعقول الغالبية العظمى من الشعب السوري وما يحفر في ذاكرتهم عميقاً هو حجم المعاناة التي ابتليوا بها خلال الحقبة السوداء التي مرت عليهم خلال فترة النظام البائد وماسبقه.
سنوات طويلة من المآسي والاضطهاد والاعتقال وامتهان الكرامة الإنسانية وحق المواطنة بكل أشكالها ومعانيها.
لم تكن السلطة القائمة خلال السنوات الماضية تستثني أحداً من معارضيها من كل شرائح المجتمع السوري، فالبطش والاعتقال والتعذيب والقتل كان يطول الجميع وتحت شعارات تحدث شرخاً في حياة المجتمع وممارسات تعمقه بأقصى ما تستطيع.
ما نقوله ليس نبشاً في الماضي الأسود، ولا تأليباً على أحد ولا تبييضاً لصفحة أحد، ولكنه توصيف حقيقي لمرحلة قاتمة سقطت إلى غير رجعة إن شاء الله.
لقد كان المتضرر من هذه الحقبة هو الشريف والنظيف من كافة فئات المجتمع السوري، والمستفيد من هذه الحقبة البائسة طغمة فاسدة فاسقة مجرمة ومن كافة شرائح المجتمع السوري أيضاً.
السوريون وعلى مدى التاريخ كانوا وما زالوا أصحاب مشروع حضاري عريق، ورسالة متسامحة وقلوب بيضاء لا تعرف الحقد ولا الضغينة ولا السواد وإن تكالبت عليهم الأمم وتزاحمت عليهم الأهوال وطالتهم يد الغدر والخيانة.
لا نريد أن نقفز بالتفاؤل إلى نقطة بعيدة عن الواقع، ففي بدايات كل مرحلة جديدة هنالك تجاوزات ومخاطر وبلابل، ولكن الوعي المجتمعي والمحبة والتسامح والتعاضد كفيل بتذليلها وتجاوز تبعاتها والبناء على ما يجمع ولا يفرق.
لا شك في أن الإدارة الجديدة لسوريا المستقبل تدرك جيداً حجم التركة الثقيلة التي ورثتها من النظام البائد وحجم الشرخ الاجتماعي الذي أحدثه، وضخامة العبء الاقتصادي والخدمي الذي يجب إصلاحه ورأبه، ولكن تجاوز كل ذلك لن يتحقق إلا بتضافر جهود جميع السوريين و إيمانهم بأن هذا الوطن هو وطن الجميع ويتسع لكل أبنائه، وأما من يحاول أن يفتعل الفتن وينشر الاضطراب وعدم الاستقرار فيجب أن يواجه من الجميع وألا يجد حاضنة تشد أزره أو تؤمن له الغطاء، فالغد الأفضل هو ما يحلم به جميع السوريين بعد كل ما واجهوه من مآسي وعذابات وهو بدون شك قادم إذا توافرت الإرادة والثقة والصدق والتسامح.