توحيد الفصائل في بوتقة جيش وطني قوي.. سورية نحو مشهد استقرار ناجز وفرض مرن لسلطة الدولة
الحرية – سامر اللمع:
يعد مشروع إعادة هيكلة الجيش السوري وحل الفصائل المنتشرة على كامل الجغرافيا السورية ودمجها ضمن هيكل جديد واحد، من أبرز أولويات القيادة السورية الجديدة.
فصُنّاع القرار في سورية الجديدة يرون أن أولى خطوات بناء الدولة تمر عبر تثبيت دعائم الاستقرار والأمن في البلاد لذلك تم بعد أيام قليلة من التحرير التركيز على إعادة هيكلة الجيش عبر المشاورات الطويلة التي قام بها وزير الدفاع في حكومة الإنقاذ اللواء مرهف أبو قصرة ورئيس الأركان اللواء علي النعسان مع جميع الفصائل السورية والتي تمخضت أخيراً عن إعلان التوصل لاتفاق مع معظم الفصائل بما فيها فصائل الجيش الوطني شمال سورية للانخراط في هيكل الجيش السوري الجديد.
جيش لا طائفي ولا مناطقي
جاء إعلان قائد الإدارة السورية الجديدة السيد أحمد الشرع – والذي كان قائداً لهيئة تحرير الشام أكبر فصائل الشمال – عن نيته حل الهيئة عند بدء انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، نموذجاً يحتذى من قبل الفصائل الأخرى لرفض المناطقية أو اللون الطائفي الواحد، و بمثابة رسائل طمأنة لها.
دور خاص للجيش الحر
بعد انطلاقة الثورة السورية في شهر آذار من عام 2011 نأى الآلاف من ضباط الجيش السوري السابق بأنفسهم عن المجازر التي كان يرتكبها النظام البائد بحق المدنيين وقد أعلن هؤلاء انشقاقهم عن جيش النظام ما كبدهم دفع الثمن من خلال ملاحقتهم وملاحقة عائلاتهم وذويهم.
وأمام هذه التضحيات كان لا بد للإدارة السورية الجديدة أن تكرم هؤلاء الضباط من خلال إعلان وزارة الدفاع عن نيتها في ضمهم لصفوفها للاستفادة من خبرتهم في كافة المجالات العسكرية وفي مختلف صنوف الأسلحة والتكتيكات القتالية وإعطائهم دورهم في بناء جيش صحيح وسليم يحمي البلاد.
جيش محترف قائم على المتطوعين
كانت الخدمة الإلزامية في زمن النظام البائد – قبل انتصار الثورة السورية المباركة- تمتد على مدى عامين ونصف العام، عدا عن العقوبات التي يمكن إضافتها بشكل متعمد بحق الجنود لتطول مدة خدمتهم لسنوات إضافية.
وبعد انطلاق الثورة، قام النظام بفرض الاحتفاظ بكل الجنود العاملين كما رافق ذلك استدعاء واسع لعشرات آلاف المدنيين ممن أنهوا خدمتهم العسكرية قبل قيام الثورة، وبسبب ذلك تم فرض العديد من حالات الرشى ودفع الأتاوات بملايين الليرات على الجنود من قبل قادة الفرق والوحدات العسكرية، ما أنهك فئة الشباب ومنعهم من بناء مستقبلهم ودفع الكثير منهم إلى الفرار من التجنيد الإجباري والهجرة.
من هنا جاء قرار القيادة السورية الجديدة لإلغاء الخدمة الاجبارية تلبية للمطلب الجماعي للشباب السوري وفرصة لتشكيل جيش محترف يخضع لسقف الدستور كما هو حال باقي مؤسسات الدولة وتمثلاً بالكثير من الدول العربية والأجنبية المتطورة التي تبني جيوشها وفقاً لمبدأ التطوع أو من خلال خدمة إلزامية بمدة قصيرة الأمد.
الجيش والشعب
عمل النظام البائد على استخدام الجيش والقوات المسلحة لخدمة مآربه وأطماعه الشخصية ولحماية نفسه وقتل كل من يعارضه، ما أكسب ذلك الجيش سمعة سيئة وأصبح اسمه مدعاة للخوف والرهبة من قبل المواطنين.
وقد رأى الكثير من السوريين أن قرار إلغاء التجنيد الإجباري، والتطلع لجيش وطني احترافي هو سيد القرارات لبناء جيش قوي يكون في خدمة الشعب ويحمي مكتسبات ثورته وتطلعاته لبناء الدولة، كما يتيح هذا القرار توجيه الموارد لتحسين أوضاع الضباط والعناصر في الجيش الجديد وتأمين مستوى معيشي مميز ورواتب مجزية لهم.
من هنا جاء تصريح وزير الدفاع في حكومة الإنقاذ اللواء مرهف أبو قصرة الذي أعلن خلاله عن السعي لترميم الفجوة بين القوات المسلحة والشعب السوري والعمل على إعادة الجيش إلى هدفه الأساسي وهو حماية البلاد والدفاع عن الشعب وليكون مدعاة للفخر في وجدان كل سوري.
إن توحيد الفصائل السورية المسلحة ضمن بوتقة جيش سوري موحد سيسهم في تعزيز الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها، وسيمنح السوريين شعوراً متزايداً بالأمان مع وجود جيش موحد بقيادة وتراتبية ومسؤولية واضحة، كما أن هذا الإنجاز من شأنه بعث رسائل طمأنة إلى المجتمع الدولي الذي ينتظر الأفعال على الأرض من أجل البدء في مسار مساعدة سورية على التعافي والإسهام في عمليات إعادة البناء وعودة ملايين اللاجئين والنازحين إلى مدنهم وقراهم.