هيبة الاحتلال تحت حذاء الفرسان
تشرين- ادريس هاني:
انهزم الإمبراطور المزيّف، وانهزمت كلّ السرديات والكهانات التي اعتبرت اغتيال القادة وخرق الميثاق الدولي للحرب نهاية لتاريخ الانتفاض على الاحتلال، الإمبريالية مولعة بخطاب النّهايات، لكنها هذه المرّة منحت الإمبراطور المزيّف فرصة قبل أن يُحال على محكمة الاحتلال نفسه، إنّ الاحتلال يسعى لاحتلال الضمير الإنساني وتغيير مكتسبات النظام الدّولي، ثم ما هي السابقة في إدانة مجرم حرب من قبل المحكمة الجنائية بعد كلّ هذه الجرائم؟ السابقة هي أنّه كان المجرم الأكثر دلالاً في تاريخ هذه المحكمة.
وحدهم الفرسان يدركون أنّ هذه معركة جبانة، معركة ثأر ليس لها امتداد سياسي، لأنّها معركة المصير المجهول، ألوف من عساكر النخبة المدججين بأرقى الأسلحة هم اليوم عاجزون عن التقدم قِتالاً في الميدان، أمّا الخيام فهي شاهدة وشهيدة، وهي عقدة الاحتلال.
كان همّ هذا الأخير الثّأر من البيئة الحاضنة، من شعب الجنوب والبقاع، هو اليوم يلعب لعبة المطاردة للأشخاص، إنّ كُلفة اغتيال شخص واحد تعد بملايين الدولارات، أمّا الكلفة التّاريخية فلا حدود لها، لا يوجد في قادة الاحتلال من يستحق التقديس حتى من بني جلدته، كل ملّة منهم تلعن أختها، وهم في اختلاف أبدي في سياسة المسروق، بينما ساهم الاحتلال في تحقيق مجد شهداء كانوا يتصيدون الشهادة ببالغ الوُسع، هما موقفان إذاً على طرفي نقيض من فلسفة الموت، فأمّا الاحتلال فهو يبحث عن حرب نظيفة بصفر ضحية، أما المقاومة فهي لا تدري أتقع على الموت أم يقع عليها، ولكنها على يقين من أن لا طريق للنصر دون كفاح وطني، وهذه الوطنية هي اليوم موضوع حجاج، فبينما فرسان المقاومة ينحتون الوطن بمقدّمة البواريد، ويصبغونه بلون الدّم القاني، هناك من يمارس الوطنية بالمراسلة، ويحوّلها إلى صخب فارغ من كل مبدأ وضمير، التقت الوطنية الزائفة بثقافة المستوطنين، الوطنية لا تتنكّر لحركة التحرر، والعبيد لا يعلمون الوطنية للأحرار، ثمة من هو مستعد إلى لعب دور عبيد المنزل للاحتلال مقابل دبكة تلمودية رخوة، لا يوجد أسوأ من شماتة العبيد بالفرسان، إن كانت بيئة المقاومة حاضنة لقادتها بالفعل فما دخل أولاد الأونط؟
ارتقى القادة نجوماً في سماء التّاريخ الممتد الذي لا تنهيه تمنيّات العبيد، الوشاية بالقادة بوفيه مفتوح في جغرافيا سياسية ممزّقة، وحتى الآن هناك من عاتب الفرسان على كونهم لم يقوموا بالواجب، لبئس الوقاحة، واليوم رأينا سموّ التضحية، لفرسان لا بواكي لهم، حتى العزاء لم نجد له في أعتى بؤر الزعيق مكاناً، وذلك عند القوم عادة، وكلّ إناء بما فيه ينضح، سيضطر المنافقون إلى تشقلبات بهلوانية حين يصنع الفرسان النصر، سنسمع الكثير من الطنين، هذا الجنوب منجذب في طقس التضحية، وذاك البقاع شاهد على الهمجية، ومن استطال لسانه في منح الدروس لمن هم في الميدان صناديد، سيقطعه التّاريخ، ونحن منهمكون في أرشفة ما عانته المقاومة من طغيان سحلّيات ومنافقي القضايا العادلة، إنّ ارتقاء القادة الأنقياء شأن يدركه أبناء الحكمة المتعالية للشهادة، هم بل هم فقط…