ليس نحواً وصرفاً

حين تنتقل اللغة من التداول الشفوي “النفعي” إلى النص المكتوب، تحتاج إلى “قواعد” مختلفة تضبطها لأن “المكتوب” لا عودة عنه ولا ترافقه “لغة” أخرى يؤديها الإنسان غريزيّاً بحركات جسده: غضباً ورضى وتعباً وانفعالاً وقصوراً ولجلجة، ففي النص المكتوب تعوّض الكلمات عن كل هذا بمحمولٍ دقيق يُسمّى “البلاغة”!
كلُّ لغات الشعوب وجدت “قواعد” يلتزمها الكاتب ليكون نصّه خلاصةً كثيفة لجمالياتها وفكرها و روحها، وجعلت هذه “القواعد” في كتبٍ مستقلة يتعلمها ابن اللغة، وهي كتبٌ أبعدُ ما تكون عن الجماليات لأنها مجردُ دليل يأخذ صاحبه بالاتجاه الذي يبحث عنه: أيريد شعراً، روايةً، قصةً؟ ها هو يمتلك الأداة الأولى التي تضعه على أول الطريق، لكنها مجرد أداة في عالمٍ يحتاج إلى أكثر من قواعد “نحو” و”صرف” بكثير!
في بعض “المخطوطات” وهي ما عادت مخطوطة بقلم، بل مطبوعة بحكم التطور الزمني، لأن “الكتّاب” جميعاً باتت بحوزتهم مطبعة خاصة بحروف تشترك فيها الأجهزة اللوحية، لكنها مرشحة للطبع، في هذه “المخطوطات” يبحث قارئ التقويم، أول ما يبحث عن سلامة اللغة، فيكتشف أنّ صاحبها غريباً عن لغته، وجاءها مثل أجنبيٍّ حلَّ في بلاد لا يعرف من لغتها إلّا مفردات متداولة في المجال السياحيّ، قد يسترشد بها، لمعرفة شارعٍ أو مطعمٍ أو سوق، بحيث تيسّر تواصله، لكنها بمجملها رديئة وتسقط في رداءتها كل المعاني التي جاء لإيصالها!
المفارقة أنّ في الجامعات كلياتٍ تدرِّس اللغات، ومن يبرع فيها لن يكتب نصوصاً إبداعية رغم أنه يقرأ الكثير منها بحكم الدراسة، وقد يصبح مدرّساً لامعاً، لأن الإبداع يكمن في مكان آخر، وهذا المكان الآخر قد يصبح مستباحاً بسبب جهل صاحبه بالقواعد واعتماده على “قوة” أفكاره كما يتخيل!
عيون الكتب، كما يسميها النقاد، لا ينتبه قارئها إلّا إلى رفعتها وسطوعها لأنها تجاوزت الشرط الأول المضمر في الصورة العامة، شرط اللغة السليمة التي وحدها من يقدُّ الألق في منحوت العمل الإبداعي، وفقط، في هذا الزمان، يُطرح سؤال بسبب غزارة الكتابة وجرأة أصحابها: هل يمكن أن يعطي “كاتب” مخطوطه لمختص لغوي يصحح ما فيه من أخطاء قبل أن يوضع تحت المجهر النقدي، ويُصار إلى دفعه للطبع، هذا إذا كان صالحاً للطباعة والتداول، لأن أكثر من جاء إلى الإبداع، ظنّ أنّ اللغة لا تستحق التبحُّر فيها، وليس هذا فحسب، بل هاجمها وقال عنها إنها قوالب جامدة عفا عليها الزمان، ثم بالغ بالقول: إنها معيق الخلق والإبداع!!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
أكثر من 42 ألف مهجر دخلوا عبر معبر جديدة يابوس مع لبنان محافظة اللاذقية تشكل لجنة مؤقتة لإغاثة العائلات الوافدة من لبنان.. وتجهز 4 مراكز إقامة أكثر من ١٨٠ مهجراً لبنانياً بضيافة أبناء مدينتي حماة ومصياف في منازلهم جلسة حوارية حول  تغطية زلزال شباط وقانون الإعلام السوري مؤتمر رابطة الأطباء النفسيين يبدأ أعماله اليوم المقداد يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية السعودي هنأه فيه بتوليه منصبه الجديد الخارجية: عدوان الاحتلال على المنطقة يعكس استمرارية العقلية الإجرامية لديه واستهتاره بالقانون الدولي الوزير صباغ يبحث في نيويورك مع عدد من نظرائه التعاون الثنائي والتصعيد الإسرائيلي في المنطقة انطلاق فعاليات المؤتمر العلمي الدولي  الـ22 لطب الأسنان الحديد: ركيزة مهمة لعرض مايستجد من أبحاث متخصصة في علاج الأسنان والترميم والجراحي وزيرة العمل: ضرورة جهوزية مديريات الشؤون في المحافظات المعنية لاستقبال الوافدين من لبنان