فرنسا منقسمة بين اليمين وأقصاه والصورة المقبلة للجمعية الوطنية أمام تساؤلات
تشرين:
بعد الزلزال السياسي الذي هز فرنسا الأحد الماضي مع قرار الرئيس إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، سيكون للفرنسيين موعد مجدداً مع صناديق الاقتراع في 30 حزيران و7 تموز للتصويت في انتخابات تشريعية مبكرة.
وقرر ماكرون حل «الجمعية الوطنية» (مجلس النواب) إثر فوز حزب «التجمع الوطني» بقيادة جوردان بارديلا 28 عاماً بحصوله على 31.5 بالمئة من الأصوات، فيما حصل حزب «النهضة» الذي يتزعمه ماكرون على 14.6%، والسؤال الذي يُطرح، كيف ستكون صورة «الجمعية الوطنية» الجديدة؟ وما هي التشكيلة السياسية التي ستفوز بأغلبية مقاعدها؟ كما يتساءل متتبعو السياسة الفرنسية، هل سيفوز حزب مارين لوبان بأغلبية المقاعد في البرلمان المقبل ليقود الحكومة الجديدة؟
وفق استطلاع للرأي أجراه معهد «إيبسوس» لحزب «الجمهوريون» في نهاية 2023 على خلفية النقاش حول قانون الهجرة الجديد، أظهرت النتائج التي كشفت عنها أسبوعية «نوفال أوبس» ويومية «لوفيغارو» (ولم تُنشر في وسائل الإعلام في وقتها)، حصول «التجمع الوطني» على 243 إلى 305 مقاعد، علماً أن الأغلبية المطلقة هي 289 مقعداً.
وأظهر الاستطلاع مدى تحول «التجمع الوطني» من حزب معارض صغير إلى تشكيلة سياسية محورية في المشهد الفرنسي باستطاعتها تولي السلطة. وأشار أيضاُ إلى تراجع حزب «النهضة» الرئاسي من 246 مقعداً في الجمعية السابقة إلى ما بين 117 و165 مقعداً في المجلس الجديد، ما يعني خسارة 81 مقعداً على الأقل.
وحسب الاستطلاع، سيسجل «الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد»، الذي يضم حزب «فرنسا الأبية» و«الحزب الشيوعي» و«الحزب الاشتراكي» و«الخضر»، تراجعاً في عدد المقاعد من 131 إلى ما بين 55 إلى 79 مقعداً.
أما بخصوص حزب «الجمهوريين» اليميني، فأشارت تقديرات استطلاع الرأي إلى أنه سيحافظ على نفس عدد البرلمانيين في الجمعية الوطنية الجديدة بحصوله على ما بين 44 إلى 66 مقعداً مقابل 62 في الجمعية المنحلة.
وفي هذا الشأن، أعلن رئيس الحزب إيريك سيوتي أن في حال تحققت هذه التقديرات، فهذا سيعني بأن الحزب يسير على الطريق الصحيح ويستعيد بشكل تدريجي عافيته السياسية، مضيفاً: لن يساند الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية المقبلة ويرفض الدخول في التحالف الرئاسي كما يتمناه ماكرون.
في صفوف «التجمع الوطني»، علق النائب السابق ألكسندر لوبيه على النتائج قائلاً: النصر ممكن. لا تقاطعوا الانتخابات أبداً. إذا صوّت الشعب فإنه سينتصر.
لكن بالنسبة للنائب من حزب «النهضة» الرئاسي ماتيو لوفيفر: طبعاً، يجب أن نتساءل عن المستوى الذي وصل إليه «التجمع الوطني» في بلادنا. لكن في الوقت نفسه لا توجد هناك حتمية سياسية. فكل موعد انتخابي لديه خصوصياته وقواعده.
من جانبه، دعا بول فانييه، أحد نواب «الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد«، إلى التحلي بالحذر إزاء ما يُكتب ويُقال بشأن «التجمع الوطني»، منتقداً “أولئك الذين يريدون تقسيم اليسار ويزرعون اليأس والإحباط في صفوف ناخبي الضواحي والأحياء الشعبية.
في سياق متصل، أحدثت دعوة سيوتي إلى إقامة تحالف غير مسبوق مع أقصى اليمين، تطوراً لافتاً جديداً في فرنسا، قائلاً: نحن بحاجة إلى التحالف، مع الحفاظ على هويتنا، مع حزب التجمّع الوطني ومرشحيه..هذه الدعوة لاقت انتقادات لاذعة على سيوتي متهمة إيّاه بالخيانة والكذب.
كما اعتبرت كوادر من حزب سيوتي أنّ ما تقدّم به خيار شخصي، من خلال دعوته إلى التحالف في الانتخابات التشريعية مع «التجمّع الوطني» اليميني الذي خرج منتصراً بفوزٍ ساحق الأحد في الانتخابات الأوروبية.
وأسقط سيوتي، المعروف بنهجه الصارم على صعيد الهجرة، محظوراً أبقى حزبه وريث «الديغولية» التي هيمنت على الحياة السياسية الفرنسية على مدى عقود، واتهمه وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، والعضو السابق في حزب «الجمهوريين» والذي انضم إلى معسكر إيمانويل ماكرون في 2017، بأنّه بذلك وقّع اتفاقيات ميونيخ التي تعود إلى عام 1938 وحملت يومها توقيع فرنسا وألمانيا النازية خصوصاً.
في المقابل، رحّب «التجمّع الوطني» المدفوع بنجاحه في الانتخابات الأوروبية والذي يعدّ الأوفر حظاً في الاقتراع البرلماني المقبل، بما وصفه «انتصاراً جديداً»، وأشاد بـ «الخيار الشجاع» الذي اتخذه سيوتي، معتبراً أنّه ينمّ عن «الإحساس بالمسؤولية».
وتعليقاً على هذه الخطوة، قالت رئيسة المجموعة البرلمانية “للتجمّع الوطني”، مارين لوبان: أربعون عاماً من الإقصاء الزائف تتلاشى بعدما تسبّبت في خسارة الكثير من الانتخابات.
ويحاول التجمّع منذ سنوات إقامة تحالفات في صفوف اليمين ويسعى لتوسيع قاعدته قبل الانتخابات التي قد توصله إلى السلطة للمرة الأولى.