على ما يبدو حتى هذا التاريخ لم نعطِ المناطق الحرة الأهمية المطلوبة، لا من الجانب الاقتصادي ولا الاجتماعي، رغم كل ما حصلت عليه من مزايا الدعم والرعاية خلال المراحل السابقة، والتي أعطتها مزيداً من جرعات القوة للوصول في العمل إلى مواقع متقدمة من مكونات الاقتصاد الكلي..
والنتائج التي تحققت في السابق، وما يتم إنجازه اليوم، هو خير دليل، لكن ذلك لم يرقَ إلى المستوى المطلوب من مكانتها الاقتصادية، والتي تعتبر فيها رافعة نمو، وقوة ربحية بكل أبعادها، تساهم في تعزيز رأس المال الوطني، وتحسين الحالة الاجتماعية المرتبطة بآلاف الأسر المشغلة لهذا القطاع، ناهيك بما تشكله من “متنفس” للاقتصاد نحو العالم الخارجي كما هو الحال لدينا، في ظل ما يشهده اقتصادنا الوطني من حصار ظالم، وعقوبات أشد ظلمأ، طالت هذا القطاع منذ بداية الحرب الكونية، وما فرضتها من أزمات متلاحقة..!
وبالتالي إدراك هذه الأهمية لا بد أن يتماشى مع حجمها في الناتج المحلي، وزيادته بصورة مستمرة، من خلال تطوير العملية الإنتاجية والخدمية لهذا المكون، وما يتبعها من نشاط جمركي يشكل “الخزان الداعم للخزينة” والمولد لمصادر دخلها، تحمل صفة الاستمرارية مع تطور آلية العمل في المناطق الحرة، وامتدادها الجغرافي الذي تعمل الجهات المعنية على زيادة رقعته أفقياً وشاقولياً…
وبالتالي هذا المكون الإنتاجي، هو الأقرب بكل الحسابات إلى مراكز قوة الدعم المتنوعة، للحالة الاقتصادية العامة، باعتبارها “حاضنة كبيرة للاستثمار” على اختلافه وتنوعه، وذلك لجملة المزايا والمحفزات التي تتمتع بها، أهمها توزعها الجغرافي، وقربها من المنافذ الحدودية، والمطارات وغيرها من المزايا التي جعلت منها مراكز عبور، وبوابات تجارية للوصول إلى الأسواق الخارجية بشكل يحقق المنفعة الاقتصادية والربحية التجارية، لجميع الأطراف..
وهنا لا نتجاهل الدور الحكومي، “رغم الظروف الصعبة التي يمر بها البلد”، في تقديم كل التسهيلات، والإجراءات التي تخدم آلية العمل، وتمكنها من العودة إلى توسيع النشاط الصناعي والتجاري والخدمي، بعد ما أصابها من تخريب ممنهج، وتدمير من قبل الإرهاب وأهله لبعض المناطق، وتراجع دورها في مراحل مختلفة خلال سنوات الأزمة…
وما يراد قوله إن هذا الاهتمام لا يكفي، ولا يرقى إلى حجم أهميتها الاقتصادية والاجتماعية، فحالة التحسين تمشي ببطء شديد، في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة فيه إلى روافد مغذية للخزينة العامة، وحراك إنتاجي مستمر، يؤمن حاجة السوق المحلية، ومساحة استثمارية جاذبة لرأس المال المحلي والخارجي، والأهم بوابة عبور لمنتجاتنا الوطنية..
وهنا لا نتجاهل ما تم تحقيقه من نتائج طيبة لكنها ما زالت دون المستوى المطلوب، ولا تترافق مع حجم أهمية القطاع، ولا حتى الاستثمارات التي يستوعبها، والتي تؤمن ديمومة العمل، لا تستطيع القطاعات الأخرى تأمينها ولو بالحدود الدنيا، فالمناطق الحرة “رئة الاقتصاد”، علينا جميعاً الحفاظ عليها، وتبسيط الإجراءات التي تؤمن الأوكسجين اللازم لاستمرارية عملها..
لكن للأسف حتى هذا التاريخ ما زالت الإجراءات أكثر من خجولة، ولا ترقى إلى مستوى الأهمية الاقتصادية لهذا المكون..!
والسؤال: هل من رؤية حكومية واضحة تأخذ بأسباب هذه الأهمية، وتترجمها على أرض الواقع، بما يحقق المنفعة لجميع الأطراف..؟
Issa.samy68@gmail.com