العالم الافتراضي يدير حياتنا الواقعية والجميع صعدوا إلى المنبر!

اللاذقية- حلا خير بك:
رسالة “مسج” أو مجرد تعليق “كومنت” أو صورة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أو غيره، كافية في حالات كثيرة ليحصل بعدها طلاق رسمي في المحكمة، بل إن في المحكمة ملف خاص بحالات الطلاق التي تسبب بها “تطبيق “واتس آب” وحده، وتغيير حالة أحدهم إلى متزوج أو “سنغل” كما أطلق الفنان عمرو دياب أغنيته أو في حالة ارتباط، يتم تناقل أخبارها في الجلسات والصبحيات وكأنما صدرت الوثيقة التي تقر بذلك أخيراً.
وفي الوقت الذي يمتنع الحبيب عن تحميل صورة حبيبته أو خطيبته أو زوجته أو أياً تكن العلاقة على “بروفايه” تحديداً أو غلاف صفحته، فهذا تأكيد أن العلاقة مشكوك بأمرها، وبأنه ليس كما أقنع الشريكة يغار عليها من أصدقائه أو يخشى أن يصيبوا علاقتهم بالعين والحسد، وإنما ذلك دليل على كونه يخشى خسارة باقي حبيباته على مواقع التواصل واللاتي يسعى لأن يحصدهن حصاد روميو الحبّيب!
نعم هكذا تجري الأمور، وإلى هذه الدرجة نحن و”السوشال ميديا” وسائل التواصل الاجتماعي متداخلون ببعضنا البعض، وعلاقتنا بها متينة وجادة، بالرغم من وجود الكثير من الناس لايزالون خارج نطاق التواصل الاجتماعي وبالرغم أيضاً من أن كثيراً من الناس يُنشؤون حساباتهم بأسماء وصفات وهمية! فإلى أي درجة هذا العالم الافتراضي بدأ يتدخل ويدير عالمنا الواقعي؟

الصحيفة المباركة
يمكننا تشبيه هذا العضو الجديد الذي أضيف في السنوات الأخيرة إلى أعضاءنا الحيوية، بالصحيفة المذكورة في القرآن الكريم والتي يقوم بكتابتها يومياً على أكتافنا الكرام الكاتبون والتي لا تفوت كبيرة ولا صغيرة من يومياتنا ومشاعرنا، وكنا نتساءل عندما نسمع الآية الكريمة “فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابي”، أو آية “وإذا الصحف نشرت” في سورة التكوير.. ونقول: لماذا وكيف سنقرأ كتابه؟ وماهذه الصحف المنشورة؟ وكيف بإمكان مجموعة من الناس أن تطلع على صحيفة شخص واحد، وإذ يأتينا الجواب في حياتنا الوقعية، فلو فتحت عدة بروفايلات لأناس لا تعرفهم، أي غير أصدقائك ستفاجأ بعوالم أخرى لا تعرفها، فأنت غالباً ترتبط حتى فيسبوكياً وافتراضياً بمن يشبهون ميولك ومعارفك، وإنما ستجد مثلاً صفحات أقرب إلى بيت الدعابة! أو إلى جامع أو كنيسة أو منظمة دينية أو مكتبة، أو قد تجد ألفاظاً وصوراً بذيئة لم تتخيل في حياتك أنها موجودة، ومن الصحيفة المباركة أو غير المباركة بإمكانك أن تقرر هل توافق على صداقة الشخص وتتحمل يومياً أن ترى وتسمع إنتاجاته اللفظية والفكرية التي لم تتعود عليها أم لا.
بل إنك قد تفاجئ بمحتوى من يسكنون معك في البيت نفسه سنين طويلة وبمشاعرهم وأفكارهم التي تنطلق هناك بانسيابية وحرية كبيرة، فيبدو أن الأصابع أكثر وأسرع بوحاً من اللسان.

فضائح كبيرة وخروج عن السيطرة
إن هذا العالم الافتراضي لم يعد افتراضياً بقدر ماكنا نظن، فقد بدا يتدخل بأسواقنا، حيث أصبحنا نتسوق ونشتري الكثير من السلع عبر صفحات التسويق الإلكتروني، وندفع ونتقاضى مبالغ كبيرة عبره.
وأصبحنا نراقب أولادنا في المدارس الحكومية بواسطة مدرسيهم وبشكل غير رسمي وغير قانوني وغير منظم عبر “واتس آب” بل إن لغالبية المدرسين مع أولياء أمور الطلبة غروب خاص بهم.. حتى في مجال الإعلام تدخلت تقنيات السوشال ميديا وأصبحنا نرى ضمن القنوات والبرامج الرسمية والأخبار مقاطع تمت مشاركتها أو اتصالات وحوارات تجرى عبرها مباشرة ومن البيت.
وفي المجال الفني شاهدنا مؤخراً عدة فضائح وقصص مثيرة للجدل جرت عبر هذه الوسائل التي أسيء استخدامها من جانب فنانين مشهورين، للأسف بسبب عدم درايتهم بنتائج ما يفعلونه ببساطة!
كالفيديو الذي انتشر لمدة دقيقتين على حساب الفنانة هبا نور مؤخراً، أو فضيحة الدكتور فود التي حتى جداتنا سمعوا بها وعرفوا من هو الدكتور فود وماقصته مع شروق، أو كالفنانين الذين بدؤوا يظهرون على برنامج الـ(تيك توك) ويطلبون المال لقاء شهرتهم وما مدى شرعية ذلك.
إن سهولة استخدام هذه التطبيقات من دون حساب النتائج يجعلنا في فوضى معلوماتية حيث يتفهون يومياتنا وهمومنا ويديرونها كما يريدون لأننا لم نضع وليس بإمكاننا أن نضع قوانين وحدود لتدخل هذه البرامج الافتراضية في كل قطاع..
إن الدليل على أنه يستهدف تتفيه يومياتنا وإلهاءنا عن القضايا الجادة، وإدارة تفكيرنا وأولوياتنا واهتماماتنا، أن طيلة الحرب على غزة وكل ماجرى لم تظهر صورة واحدة له ولا خبر ولا فيديو لدينا على فيس بوك، بالوقت الذي شعرنا أن خيانة الدكتور فود لشروق الفلسطينية قضية هائلة!
حتى خصوصيتنا في المنزل منتهكة، حيث أصبح الجميع على المنبر يستشيرون بعضهم ويفتحون قنوات يوتيوب خاصة بهم وينصحون بعضهم بكل مجالات الحياة وما يهم هو الجمهور وحده!
بل إن أهم طموحات معظم أطفالنا وأهاليهم أن يصبحوا يوماً ما “يوتيوبر” ويشتهروا ويجنوا الأموال الطائلة.

والأغرب في هذا الاجتياح الأخطبوطي الهائل للسيطرة على حياتنا انسجام كبار السن فيه، حيث كانوا يمثلون بعض القيم والأخلاق، نجدهم اليوم هم الأكثر مجاراة لهذه التقنيات ليواكبوا الحضارة، ونجدهم يسوغون ويستسيغون كل ماكان محرماً أخلاقياً تحت غطاء الحضارة واللحاق بالعصر والجيل .
فأكثر ما أوجدته هذه الوسائل غرابة هو نشر التعازي والتهاني والمباركات عبرها والاستغناء تماماً عن الحضور شخصياً!

كم نحن متابعون فعلاً!
كل هذا الهرج والمرج الذي نشاهده ونعيشه قائم حقاً على العدد، فكلما حققت المنشورات أرقاماً أعلى في المشاهدات كانت “تريند” وظهرت لديك في المقدمة وفرضت عليك لتصبح من دون أن تشعر بالاجماع الجماهيري الوهمي من أولوياتك، رغم أن الكثرة لا تغني عن الحق شيئاً!
فجميعنا من دون أن ندري متابعون للكثير من المهرجين وهم يأخذوننا على محمل الجد من دون أن ندري! فأنا من متابعي شروق لأنها تظهر أمامي فأتابعها وليس لأني متابعة حقيقية، ويوماً ما إذا لم تظهر لن أبحث عنها!
يجب أن نقونن سريعاً تدخل هذه التكنولوجيا في حياتنا ونحدد مدى مصداقيتها وكيفية وحدود التعامل فيها ومن خلالها في كل المجالات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار