الفافوش

تشرين – د. م. محمد رقية:
كنا في القرى عادة نطلق تعبير «فافوش» على أولئك الأشخاص الذين تراهم في الأحوال العادية «نافشين ريشهم ونافخين حالهم ويا أرض اشتدي ما حدا قدي»، ولكن عند أول اختبار لهم في الشدائد تراهم يأكلون القتلة ويُهزمون شر هزيمة ويبدأ الناس بنعتهم بـ«فافوش عالفاضي».
وهذا ما حصل مع جيش الكيان الصهيوني منذ حرب تشرين التحريرية عام ١٩٧٣ وتأكد عام ٢٠٠٠ وعام ٢٠٠٦ واختتم في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣ والرد الإيراني غير المسبوق على الكيان ليلة ١٤ نيسان ٢٠٢٤.
بعد عدوان الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين في الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ على سورية ومصر وسيطرته على سيناء والضفة الغربية وجزء من الجولان السورى، نشر العدو بشكل واسع مصطلح «الجيش الذي لا يقهر» لتخويف العرب وجعلهم يستكينون عن مقاومته.
إلا أن هذا المصطلح انهار بعد حرب تشرين التحريرية عام ١٩٧٣ التي كانت من أهم نتائجها كسر هذا الجيش الذي «لا يقهر»، ولولا المساعدات الأميركية الكبيرة المباشرة للعدو في أرض المعركة وخيانة السادات لاستمر انهيار هذا الجيش وتم تحرير فلسطين منذ ذلك التاريخ .
ثم عاد وركز العدو على هذا المصطلح بعد العدوان على الجنوب اللبناني في حزيران من عام ١٩٨٢ بأكثر من ألف دبابة ووصوله حتى بيروت وحصارها ثلاثة أشهر وخروج القيادة الفلسطينية من لبنان الى تونس في أيلول من العام نفسه.
وقد خاض الجيش العربي السوري براً وجواً معارك طاحنة مع الجيش الصهيوني لم يسجلها التاريخ، وحدثت فيها أكبر معركة جوية في التاريخ اشتركت فيها 200 طائرة سورية, إضافة إلى معارك الحوامات, التي قضت فيها «الغازيل» السورية على عشرات الدبابات والمدرعات الصهيونية, كما اشتهرت فيها فرق الصيد السورية للدبابات الصهيونية، واشتهرت فيها معركة بيار عدس – عيتا الفخار في 10 حزيران, التي اعتبرت من أعظم معارك الصمود والانتصار، وهزم فيها جيش الاحتلال شر هزيمة.
وتم من خلال هذه المعارك إيقاف تقدم الجيش المحتل في منطقة البقاع الغربي والأوسط ومنعه من تحقيق خطته بالوصول إلى بعلبك وتكبد فيها خسائر فادحة في عناصره وآلياته توضحها جلياً التوثيقات اليومية لهذه المعارك.
إلا أن بروز المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله بمساعدة سورية وإيران بعد قيام ثورتها بقيادة الخميني عام ١٩٧٩ جعل هذا الجيش يترنح تحت ضرباتها اليومية إلى أن هُزم كلياً وهرب من الجنوب اللبناني في ليلة ليلاء من دون قيد أو شرط في ٢٥ أيار عام ٢٠٠٠، وهنا أطلق سيد المقاومة مصطلح (أوهن من بيت العنكبوت) على هذا الكيان.
وتأكد ذلك بعد عدوان عام ٢٠٠٦ الذي استمر ٣٣ يوم وفشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافه ومُني بخسائر كبيرة وأهمها مجزرة الدبابات في وادي حجير.
ثم تأكد هذا الوهن لجيش العدو في الاعتداءات التي كان يشنها على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خلال أعوام ٢٠٠٨ – ٢٠٠٩ الذي استمر ٢٣ يوماً و٢٠١٢ و٢٠١٤ الذي استمر ٥١ يوماً ومعارك ٢٠١٩ و٢٠٢١ و ٢٠٢٢، التي لم تكن تزيد المقاومة إلا قوة وصلابة رغم الدمار والتركيز على قصف المدنيين من أطفال ونساء وكبار السن.
أما بعد عملية طوفان الأقصى الإعجازية التي بدأت صباح ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣ والتي أصابت الكيان الغاصب بمقتل وبقي ضائعاً عدة أيام لا يعلم ماذا يفعل.. فجاء كل قادة الغرب الاستعماري في حالة غير مسبوقة لمؤازرته ومساندته لكي يقف على رجليه وزودوه بكل أنواع الأسلحة وأحدثها أميركياً وغربياً لمساعدته في الهجوم على قطاع غزة الذي يدافع عنه ثلة من الأبطال النادرين بأسلحة خفيفة لا تضاهي أي سلاح يملكه العدو وفشل فشلاً ذريعاً رغم الدمار الذي أحدثه.
والآن وبعد مضي أكثر من ستة أشهر على عدوانه على القطاع المحاصر لم يستطع تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعها أمامه بتدمير المقاومة واستعادة أسرى الكيان رغم كل الدعم الغربي والأميركي لجيش هذا الكيان بأحدث أنواع الأسلحة، فمن أميركا وحدها نقلت خلال هذه الفترة أكثر من مئة سفينة أسلحة للكيان عدا الأسلحة المستعجلة التي تم نقلها بالطائرات.
ولا يزال جيش هذا الكيان «يتمرمط » في وحول غزة، وزاد في الطين بلّه الرد الايراني المباشر غير المسبوق بالمسيّرات والصواريخ على الكيان ليلة ١٤ نيسان الحالي والتي استند فيها الكيان إلى أميركا وحلفائها في الدفاع عنه لإسقاط هذه المسيّرات والصواريخ .
وعانى الكيان معاناة شديدة وعاش ليلة سوداء لم تمر عليه منذ تأسيسه عام ١٩٤٨، كنا قد تحدثنا عنها بالتفصيل في مقالنا السابق المنشور بصحيفة «تشرين » السورية بتاريخ ١٩ نيسان الحالي بعنوان «ليلة الصدمة».
لذلك فإن أفضل وصف نطلقه على هذا الجيش هو الجيش الفافوش فقد كانوا ينفخون فيه دائماً لتخويف العرب ولكن ثُقبت القربة الآن وذاب الثلج وبان الهرج .

إنها معجزة العصر، جيش كبير عرمرم بأكثر من ٥٨٠ ألف عنصر مزود بأحدث أنواع الطائرات والدبابات والقذائف والمدمرات غارق في وحول غزة أمام ثلة من المقاومين الأبطال ذوي الإرادة الصلبة الذين لا يملكون من الأسلحة إلا قليلها، فالإرادة واليد التي تمسك السلاح هما اللذان يحددان المصير والنصر.
معجزة العصر تقول لنا إن هذا الجيش جبان غير قادر على المواجهة و«فافوش» بكل معنى الكلمة، أي جيش «منفوخ عالفاضي» لا يعرفه إلا من واجهه بشكل مباشر، وهذا ما حدثنا عنه أصدقاؤنا الأبطال الذي اشتركوا مع جنوده عن قرب في حرب تشرين عام ١٩٧٣ وخاصة في مرصد جبل الشيخ الذي جرى تحريره منذ بداية الحرب.
تحية إلى ثلة المقاومين الأبطال الذين هزموا الجيش الفافوش في كل مواقع الصراع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟