يسأل المحاوِرُ ضيفَه، بعد أن عرّف به: شاعراً وقاصاً وروائياً ومضى من وقت اللقاء أكثرُه: هل على الأديب أن ينتظر زمناً بعد حصول “الحدث” كي يتناوله؟
الحوارات الفكرية أو الثقافية على وسائل الإعلام هي ظاهرة معاصرة، ربما كانت امتداداً للمناظرات التي كانت تجري في الماضي بين “المعلم” و”تلاميذ” البحث عن المعرفة، أو المساجلات بين الشعراء في بلاط الملوك والسلاطين، لكأن الإبداع نفسه يحتاج إلى هذا “الحك” ليتطاير منه الشرر أو يبدو منه ما كان خافياً، لذلك وجب على المحاور أن يكون مُلمّاً بالأدب قبل الإلمام بالأديب الذي يحاوره، فذلك الإلمام هو الذي يُظهّر الضيف ويجلو، منه، الفرادة والخصوصية! –هناك باقة أسئلة تصحُّ مع كل الضيوف؟ -نعم! وهي أسئلة واجبة عن خصوصية الضيف ولماذا وكيف أتى إلى هذا “العالم” الذي يتسم أولاً وقبل كل شيء بمشاعر جعلته غير حياديٍّ ثم ساقته كي يسلك الطريق الوعر! وفي هذه “المنطقة” تبدو براعةُ المحاور في الانتقال إلى فرادة الضيف وأعماله! وكما في عالم الإبداع الأدبي، يختلف الإبداع “الإعلامي” الذي يبدو في ظاهره حِذْقُ طرح السؤال وقيادة الضيف إلى عوالمه التي تحتاج إلى الإضاءة عليها، واللعبة الحميدة كلها هي من أجل طرف غائب، لكنه الأهم حضوراً! والطرف هذا هو المشاهِد أو المستمع، الذي يُسمّى “جمهوراً”
قد لا يكون سيرُ الحوار متصاعداً من دون مطبات، هي ليست “حبسة” في الكلام، بل انقطاع مفاجئ لوعي المحاوِر بمن يحاور، لأن السؤال الذي سيق للضيف: -هل على المبدع أن يتناول الحدث بعد انقضائه واكتماله، كان حركةً ناشزة عن المناخ الذي رافق الحوار، فالضيف عتيق في الزمن وخبرتِه بالشعب الذي ينتمي إليه، والحدث الذي يعيشه مستمرٌّ منذ أواسط القرن الماضي، بسخونته وراهنيّة مآسيه التي لم توفّر الاقتلاع والتهجير والمذابح الجماعية واللجوء والشتات في أصقاع الأرض، وإذ أتى هذا “الأديب” في لحظة زمنية، كانت استمراراً لما بدأه كتاب وشعراء وفنانون، عطاؤهم غزيرٌ غزارةَ دم الشهداء الذين مروا، ولم يتوقفوا، في مشاهد تراجيدية، قد تستمر أحقاباً قادمة!
أجاب الضيف تلك الإجابة الآلية، وهو يلجم المرارة في كل إجاباته: -نعم! قد يساعد انتهاء الحدث على تناوله بشكل موضوعيّ لأنه يمكّن الأديب من رؤيته كاملاً! ومضى المحاور في طرح الأسئلة، بينما المشاهد يذهب بعيداً إلى الوقائع شديدة الاكتمال وهي مازالت فصيحةً، تلهم الشعوب كيف يكون التحرر!
نهلة سوسو
123 المشاركات