سيكولوجيا النفس البشرية وإرهاصاتها في رواية “هابيل سانتشيت”

تشرين- ميسون شباني:

صدر عن دار ميتافيرس برس للنشر والطباعة والتوزيع في الشارقة رواية (هابيل سانتشيت – قصة شغف) للكاتب الإسباني ميغيل دي أونامونو، نقلها إلى العربية المترجم أكرم سعيد.
نشرت الرواية أول مرة عام 1917 ولم تنجح ثم ترجمت لعدد من اللغات فعرفها الجمهور الأوروبي وأشتهرت بعدها في أوروبا.. و يعتبر ميغيل دي أونامونو 1864 – 1936 فيلسوفاً وكاتباً اسبانياً من أهم المفكرين والكتاب في إسبانيا في القرن العشرين درس الفلسفة والآداب وقام بالتدريس في جامعات إسبانيا..  أطلق عبارته الشهيرة خلال الحرب الأهلية الإسبانية :” قد تنتصرون ولكنكم لن تكونوا مقنعين”. من مؤلفاته” الشعور المأساوي بالحياة” و رواية” ضباب” و”الخالة تولا” و”القديس مانويل بوينو شهيدا” .
تحاكي الرواية التي كتبها أونامونو أصعب مراحل حياته وتعتبر أكثر رواياته مرارة وإثارة و تتجلى كآبة وجوده في سوداويتها وتغوص بتفاصيلها في العوالم النفسية العميقة لدى شخصية بطلها (خواكين مونيغرو) الطبيب الحاسد الذي ينتهي إلى مصير مأساوي مستلهمة من قصة قتل قابيل لشقيقه هابيل بسبب الحسد الذي كان يكنه له، وذلك بعد أن تم قبول قربان هابيل ولم يتقبل قربانه.. كما تعبّر عن وجهة نظره في علاقته بمحيطه، خاصة مع صديقه هابيل الذي يكن له حسداً كبيراً..  حيث عثر بين أوراق (خواكين مونيغرو) بعد وفاته على شيء شبيه بالمذكرات حول الشغف الكئيب الذي ينهش روحه خلال حياته.. تمتزج في الرواية مقاطع مقتبسة من اعترافاته وتتخذ شكل تعليقات يقوم بها خواكين نفسه حول آلامه وكانت اعترافاته موجهة لابنته.
ضمن توجهها لرسم ملامح جديدة للسيكولوجية والهندسة النفسية والاجتماعية للإنسان في أي زمان ومكان.. كما تحكي عن صديقين عرفا بعضهما منذ الطفولة المبكرة، هما هابيل سانتشيت و خواكين مونيغرو.. وفي الخطوات الأولى من حياتهما ظهرت التمايزات بينهما.. فخواكين شاب جدي يهتم بالدراسة ويعيش حياة صارمة.. كما يطمح لتحقيق جوائز دراسية عالية.. وهو يفعل ذلك من خلال جديته في الدراسة.. على الجانب الآخر لا يبدو هابيل سانتشيت شغوفاً بالجدية في الدراسة فهو يهرب من صفوفه ويحب المغامرة والتسلية والرسم ..  خواكين هذا وبحكم جديته الصارمة لا يتمتع بحضور كما هابيل عند الناس، مما يولد حسداً في نفسه تجاه صديقه الذي يقابله الناس بالحب والاهتمام .
يحب خواكين ابنة عمه هيلينا ويعرفها على صديقه هابيل الذي يقوم برسمها بلوحة تحقق نجاحاً وشهرة، ويهتم كلاهما ببعضهما والذي سرعان ما يتحول إلى علاقة حب، الأمر الذي يعزز حسد خواكين على هابيل كونه يحب هيلينا.. وبعد فترة يتزوجا ويشعر أنهما قاما بذلك ازدراء به. وهنا تغلي في كيانه عاطفة الحسد مجدداً.. وقد أهداهما في حفل زفافهما مسدسين مطليين بالذهب.
كتب خواكين عند زواج هابيل وهيلينا :”  شعرت كما أن روحي قد تجمدت والجليد يضغط على قلبي، كان ذلك كلهب من الجليد ويصعب علي التنفس، لقد أكتسب كرهي لهيلينا صلابة وقساوة وبشكل خاص لهابيل لأنه في الحقيقة كان كرهاً ، كرهاً بارداً تمتد جذوره في النفس بأكملها”.
وعند ولادة هيلينا لابنها كتب خواكين :” عند الولادة شعرت أنني أتأجج كرهاً، لقد أرسل في طلبي للعناية بهيلينا أثناء الولادة، ولكني أعتذرت لأنني لا أقدم الرعاية في عمليات الولادة وهذا صحيح، ولأني لست قادراً على البقاء بدم بارد.. وبالأحرى بدم متجمد أمام ابنة عمي في حال تعرضها للخطر، ولكن الشيطان أغواني بشدة للذهاب لمعاينتها وخنق الرضيع خلسة، تغلبت على تلك الفكرة المثيرة للاشمئزاز “..
وفي مكاشفة مع نفسه يكتب :” لماذا كنت حاسداً وسيئاً جداً؟ ما الذي فعلته لأكون هكذا ؟ و أي حليب قد رضعت ؟ هل كان سحراً ومشروباً للكره ؟ هل كان سحراً مشروباً من الدم ؟ ولماذا ولدت في أرض الكراهية ؟ في أرض مبدؤها اكره الجميع كما تكره نفسك لأني قد عشت أكره نفسي لأننا هنا جميعاً نعيش كارهين لبعضنا بعضاً “… وهكذا تتابع مسارات حياتهما بالتقاطع حتى تصل إلى مراحل خطرة تخص حياة حفيد مشترك بينهما وتنتهي بجريمة غير معلنة وسط أزمة ضمير يعيشها مرتكبها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار