أميركا و«أثمان» لا بد من دفعها

لا تنقطع حركة الموفدين الأميركيين والأوروبيين، ذهاباً وإياباً، إلى المنطقة، سواء بصورة متقاربة أو متزامنة كما هي الحال اليوم مع زيارة كل من المبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، تزامناً مع زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، وللدول نفسها تقريباً.
ورغم أن زيارة الموفدين الأميركيين غالباً ما تحظى بالاهتمام الأكير، إلا أن زيارة سيجورنيه تحظى باهتمام متقارب، صحيح أن جبهة غزة هي الأساس، وصحيح أيضاً أن الموفدين الأميركيين يأتون إلى المنطقة بملفات أوسع، وغالباً ما تكون زياراتهم أخطر لناحية ما تحمله من مخططات ونيات مبيتة.. غير أن زيارة سيجورنيه إلى لبنان «ومنه إلى السعودية ثم الكيان الإسرائيلي» تكتسب أهميتها من كونها تركز على الجبهة «جبهة الشمال» الأشد خطورة اليوم لناحية التصعيد المتسارع الذي تشهده، خصوصاً بعد ليلة الرد الإيراني «ليلة 14 الجاري» على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف السفارة الإيرانية بدمشق أول نيسان الجاري.
ومن نافل القول هنا الحديث عن فرنسا ومحاولاتها البقاء في المشهد الشرق أوسطي عبر لبنان، على خلفية ما يسمى العلاقات التاريخية بين البلدين، وأنها طرحت نفسها أكثر من مرة للعب دور «مع لبنان» لتهدئة الجبهة الشمالية بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة اللبنانية/حزب الله، بزعم احتواء جبهة غزة ومنع توسعها إقليمياً، طبعاً هذا لا يعني أن الدور الفرنسي المفترض بعيد عن واشنطن وتوجيهاتها، وفي الأساس هناك دور أميركي يؤديه هوكشتاين منذ اشتعال جبهة غزة في 7 تشرين الأول الماضي، علماً أن هناك احتمالية بأن يزور هوكشتاين لبنان اليوم تزامناً مع زيارة سيجورنيه.
هوكشتاين زار لبنان مرات عدة من دون نتيجة، لكن زيارته هذه المرة قد تختلف، ربما لأنها جزء من كل، أي جزء من جهود متزامنة، ومع اكتساب التفاوض حول جبهة غزة زخماً أكبر، أو لنقل هناك أحاديث وتوقعات كبيرة وأجواء إيجابية حول إمكانية التهدئة باعتبار أن التفاوض الحالي هو «الفرصة الأخيرة» قبل ما لا يُحمد عقباه.
سيجورنيه الذي وصل اليوم إلى بيروت سيناقش مع المسؤولين اللبنانيين مقترحاً سبق وطرحه في آذار الماضي، علماً أن لا تفاصيل كثيرة حول هذا المقترح باستثناء «إبعاد حزب الله عن الحدود 10 كم مقابل أن توقف إسرائيل هجماتها على الجنوب اللبناني».
عملياً، هذا ليس مقترحاً، بل هو مطلب إسرائيلي أساسي ووحيد وهو ما يحمله سيجورنيه في جعبته، وعليه يمكن القول بأنه مبعوث إسرائيلي أكثر منه فرنسي إذا ما أخذنا في الاعتبار أن سيجورنيه يبني مقترحه على مسألة أن على لبنان أن يأخذ على محمل الجد التهديدات الإسرائيلية بشنّ هجوم على الجنوب اللبناني، هذا التهديد الإسرائيلي ينقله سيجورنيه مع مقترحه وتزامناً مع الزيارة المحتملة لهوكشتاين وما يحمله من ضغوط وتهديدات.
بالمحصلة، باتت جبهة الشمال تتقاسم «التركيز الشديد» مع جبهة غزة، ورغم أجواء التفاؤل التي تبدو حالياً، والتي مصدرها الأساسي زخم التحرك الأميركي، فإن لا شيء مضموناً، لا النجاح مضمون «ولا الفشل حتمي»، علماً أن المشهد بالمجمل يبدو أصعب وأعقد وأعمق تشابكاً، وهو قابل دائماً للانفجار في أي وقت.
ربما من أجل ذلك، ولتفادي احتمالات جديدة متفجرة من مستوى ما حدث بعد العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق، ولأن الوقت ينفد وواشنطن لا تستطيع طوال الوقت السيطرة والتحكم وإدارة قواعد الاشتباك، وتالياً إبقاء تركيزها الأكبر على المنطقة «على حساب ملفات خطرة أخرى بالنسبة لها كالصين مثلاً».. من أجل ذلك كله فإن أميركا تكثف نشاطها في المنطقة، موفدين ومقترحات وضغوطاً، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا النشاط في الأيام المقبلة باتجاه الحسم بأي طريقة كانت، حتى لو كان هذا الحسم لا يصب كلياً في مصلحة الكيان الإسرائيلي كما جرت العادة.
يبدو أن أميركا اقتنعت أخيراً بأن المنطقة تغيرت كلياً، ولا بد من نهج جديد، أقله في الوقت الحالي لاستعادة الزخم والدور الأميركي في المنطقة، ولا بد كذلك من «دفع أثمان» على ألا تكون باهظة جداً.. هذا ما يحاول الموفدون الأميركيون فعله.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار