الزمن هوية

في حب الشعر، أيامَ اليفاعة، مرَّ بي “صفي الدين الحلّي” مروراً طيباً حتى سقطَتْ فوق غيمته الوردية جملةُ “عصر الانحطاط” وبعدها ضاعت قصائده في غمامةٍ لا لون لها، وكلما حاولت استحضار نضارتها واكبتْها نبضاتٌ خافتة: “عصر الانحطاط” …”…الانحطاط”، و يا لهذا الترسيم الذي لا يسرُّ ولا يرضي، لأن الطموح البشري هو الارتقاء، وما استطعت أن أنتزعَ “شاعري” من عصره، ولا استطعت إبقاءه في زمنٍ، مرّ عليه أكثرُ من ثماني مئة عام وفيه سقطت الدولة العباسية، لذلك صار انتباهي أشدَّ حين يُذكر “عصر التنوير” وغيرُه من العصور بتسمياتها المختلفة، وكيف يغدو العصرُ هويةً خلفية مرئيةً لحركةٍ فكرية وإبداعية يُنهضِها مفكِّرٌ مجدّد يتحول إلى تيارٍ جارف!
لعل قوانين الفكر، متحرراً أو خامداً، لا تختلف عن قوانين الطبيعة الفيزيائية التي إن عرفت الأمطار والتربة الخصبة والضوء والصحو، أمرعَ فيها الزرع وسمقت الأشجار وكثرت الثمار وتوافدت الأنهار وتداعت الرياض إلى التجاور، وإن كان هذا مجردَ تشبيه مجازي، فإنه في الواقع سيأخذنا إلى أيام المعلقات وشعرائها الذين تزامنوا وخلدهم التاريخ، وإلى عصر “سيف الدولة” الذي توهج فيه كوكب “المتنبي” و”أبي فراس الحمداني” و”الفارابي” و”ابن نباتة”، هذا إذا لم نتوقف عند عصور أخرى يتعامل معها المؤرخون ببالغ الأريحية لكثرة أعلامها وخصوبة عطائها! كما سيأخذنا إلى عصورِ قحطٍ تتدنى فيها الإبداعات أو تتكلّس إلى حدّ العقم!
لا يمكن أن يحلّق المبدع وحده فوق واقعه المركّب الذي قد لا تُدرَك فيه الفواصل والحدود من جغرافية ونظام سياسي واجتماعي وفكري وتعليمي وشخصيّ، كأن المناخ شرطٌ أساسي لهذا التحليق، والمناخ نفسه يحتاج إلى عناصر تحركه كما في عصر النهضة الذي أخرج أوروبا من ظلمة العصور الوسطى وفيه نشط التعليم والفن والفكر مع أسماء أعلام بات يعرفهم كل دارس وباحث!
بعضٌ من سمات حيوية “العصور” هو “الاشتباك” والصخب والتنافس وعدم التورع عن الانتقاد لأن مثل هذه “الريح” تهز الشجر وتُسقط أوراقه اليابسة، وكذلك تنقل غبار الطلع من الأبواغ لتلقيها في حدائق الآخرين، وهنا لم نتحدث بعد عن “زمنٍ” يخص وطناً بحد ذاته، حيث لا يُغتَفر لمبدعيه أن يتجاهلوا ما يجري فيه ويلزمون “زوراً” صوامعَ مزعومة ومستعارة من “أزمنة” أخرى لا تشبه زمانهم، لأن مقولة أن الإبداع مرآة الواقع تصحّ هنا، ولأن التجاهل مع الاستمرار في “الذاتية” أسوأ من التصحّر وينحو بكل بساطة ووضوح إلى توصيفه بعصر الانحطاط!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة دور المرأة المقاومة في تعزيز الانتماء وتحصين الهوية الإنهاك الحراري.. خطوات سريعة لتبريد الجسم ونصائح للوقاية في حرارة الصيف المرتفعة في قراءة للمرسوم التشريعي لذوي الإعاقة.. المحامي الداية: المرسوم مهم جداً بدليل إحاطته بأدق التفاصيل اليومية لهذه الشريحة.. وسيحقق الأهداف المرجوة شريطة تطبيق العقوبات للمخالفين مهرجان كوثر السينمائي يُسدل الستار على دورته الخامسة.. وفيلم «هناس» يحصد الجائزة الكبرى علماء يحقنون قرون وحيد القرن بمواد مشعة لحمايتها من الانقراض تراجع نسبة النجاح للتعليم الأساسي في الحسكة