بعد 171 يوماً.. الكيان الإسرائيلي أمام طريق إجباري في حرب تحكمها غزة و«جبهات الإسناد».. أي ملفات مُبيتة تحت الطاولة الأميركية.. وما هو الجديد حول رفح؟
تشرين – مها سلطان:
يوشك العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أن يختتم شهراً سادساً، ومع ذلك فإن الكيان الإسرائيلي يبدو كمن يُحكم بيديه طوق المآزق، ليقف عاجزاً أمام معضلة حرب باتت بلا جدوى، لكنه مرغم على الاستمرار بها لأن الجواب عن سؤال «اليوم التالي» ليس متاحاً، ولن يكون متاحاً في المدى المنظور، مادام مرتبطاً بسؤال آخر هو «من سيحكم غزة؟».. وعليه سيبقى الكيان مقيداً – بلا فكاك – إلى مسار ميداني ينقله من عملية عسكرية إلى أخرى، من دون القدرة على تحديد موعد نهائي لنهاية الحرب.
ورغم أن الكيان الإسرائيلي يحاول أن يربط نهاية الحرب بالهجوم على رفح، إلا أن هذا لا يبدو مضموناً، بل هو يشكل مأزقاً آخر من مآزق الكيان التي تتناسل وتتعمق كلما طال أمد الحرب.. فإذا كان الكيان عاجزاً حتى الآن عن استعادة أسير واحد من دون تقديم تنازلات، فكيف بإمكانه إنهاء الحرب، بمعنى كيف بإمكانه الوصول إلى نقطة إعلان النصر فيما هو يعجز عن إنهاء حرب، بل إن قرار إنهاء الحرب لم يعد في متناول يده «إذا ما اخذنا بالاعتبار جبهات إسناد غزة».. وبالنتيجة النهائية فإن إنهاء الحرب بالنسبة للكيان يكون في حالة واحدة فقط وهي إعلان استسلام مغلف بالكثير من التسويغات والتضليل، هذا إذا لم يكن «تحت الطاولة الأميركية» ملفات التفافية يتم إعدادها، إذ لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأميركية لا تركن إلى عمليات «ليّ الذراع» في المنطقة والتي تصاعدت بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي.
– إلى مجلس الأمن مجدداً
لذلك نرى كيف أن أميركا باتت تتجه نحو مسارات جديدة في التعامل مع جبهة غزة «وجبهات الإسناد» سواء بإرسال الموفدين أو عبر مجلس الأمن الدولي الذي يعود للانعقاد اليوم في جلسة جديدة تبحث «وقف إطلاق فوري» في قطاغ غزة وفق مشروع جديد يقال إنه إعادة تدوير للمشروع الأميركي السابق الذي تم رفضه قبل أيام بعد فيتو مزدوج روسي- صيني، كونه مشروعاً غامضاً لا يدين الكيان الإسرائيلي ولا يدعو بشكل صريح إلى وقف فوري لإطلاق النار .
الجواب عن سؤال «اليوم التالي» لن يكون متاحاً، مادام مرتبطاً بسؤال من يحكم غزة؟.. وعليه سيبقى الكيان مقيداً بلا فكاك إلى حرب يعجز عن إنهائها
أما إعادة تدوير المشروع فقد تمت – حسب مصادر داخل مجلس الأمن – نتيجة لعملية تفاوض بين الأعضاء غير الدائمين في المجلس والولايات المتحدة للوصول إلى «نقاط وسط» تضمن عدم التصويت ضده. ووفقاً لهذه المصادر فإن هناك «بعض تفاؤل» بشأن نتيجة التصويت.
والمشروع في نسخته «المدورة» يطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، الذي بدأ قبل أسبوعين، على أن «يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار» كما يطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن. حسب تلك المصادر.
– غالانت في واشنطن
يتزامن ذلك مع وصول وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالانت إلى واشنطن في زيارة هدفها الأساسي ضمان استمرار إمدادات الأسلحة للكيان الإسرائيلي لضمان استمرار الحرب. وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الكيان يعاني مأزقاً كبيراً بسبب نقص الذخيرة، حتى أنها تكاد تنفد، وهو مأزق يتعمق أكثر في ظل أزمة رفض التجنيد الذي يقود إلى نقص كبير في الجنود.
وحسب هيئة البث الإسرائيلية فإن (إسرائيل) تحاول البحث عن طرق التفافية للحصول على أسلحة لمواصلة الحرب، في ظل التوترات القائمة مع الولايات المتحدة على خلفية معارضة اجتياح رفح.
ولم توضح الهيئة ماهية هذه الطرق الالتفافية لكنها نقلت عن مسؤول أمني- لم تسمه- قوله: تزايدت الانتقادات ومحاولات «نزع الشرعية عن إسرائيل وممارساتها» التي تغذيها مختلف الأطراف، وبما يعرض استمرار تسليح «إسرائيل» والتزود بالذخائر وبالوسائل القتالية للخطر.
وأشارت إلى أنه «ثمة قلق من أن التوتر مع الولايات المتحدة بشأن رفح والمشكلة الإنسانية في قطاع غزة، سيؤثر أيضاً في مدى استعداد الولايات المتحدة لمواصلة مساعدة إسرائيل بالوتيرة نفسها».
وأشارت «الهيئة الإسرائيلية» إلى الدول التي توقفت عن توفير أسلحة وذخائر قتالية للكيان ضمن انتهاجها ما سمته «المقاطعة الهادئة» بينما أعلنت عدة دول أخرى أنها غير ملتزمة بقوانينها التي لا تسمح ببيع الأسلحة لدول في حالة صراع، ولفتت أيضاً إلى أن «ثمة دول أخرى تترك إسرائيل تنتظر المصادقة على هذه الإمدادات».
بالنسبة للكيان فإن إنهاء الحرب لن يكون إلا في حالة واحدة، وهي إعلان استسلام مُغلف بالكثير من التسويغات والتضليل.. هذا إذا لم يكن تحت الطاولة الأميركية ما هو مُبيت
وأشارت في هذا السياق إلى إيطاليا التي أبدت عدم استعدادها لبيع أسلحة لسفن البحرية الإسرائيلية، وكذلك فرنسا وألمانيا اللتان تهددان بوقف توريد المعدات، وأيضاً كندا التي أعلنت في 20 آذار الجاري أنها ستحظر مبيعات الأسلحة لـ(إسرائيل)، هذا عدا عن أن هناك نقصاً عالمياً في الذخيرة «بسبب سباق التسلح العالمي حيث تقوم جميع دول العالم بتجهيز نفسها».
وفي السياق ذاته، صرح يائير لابيد، زعيم ما يسمى المعارضة الإسرائيلية، عبر منصة «إكس» بأن الجيش الإسرائيلي «وبعد ستة أشهر من حرب مؤلمة يعاني نقصاً كبيراً في الجنود».
ويأتي تصريح لابيد هذا ليفاقم أكثر الأزمات الداخلية التي تغرق بها حكومة بنيامين نتنياهو، وآخرها قانون «تجنيد الحريديم». وقال لابيد: إن قانون التجنيد الذي سيطرح هذا الأسبوع يعكس كذب وبشاعة الحكومة الحالية، مضيفاً: حكومة نتنياهو تريد إعفاء التجنيد لعشرات الآلاف من الشباب، في إشارة إلى شباب الحريديم(المتشددين).. وهذا عار على (إسرائيل)، مشيراً إلى أن «من يستمر في الجلوس في حكومة نتنياهو، فهو مشارك في هذا العار أيضاً».
– معضلة رفح
رغم كل ذلك، وفي ظل الاعتراف الإسرائيلي المستمر بأن لا إنجازات ميدانية وبأن جيش الكيان يراوح مكانه.. رغم ذلك يواصل نتنياهو تأكيده أنه لن يتراجع عن الهجوم على رفح، وقال خلال لقائه أمس مسؤولين عسكريين: «إن الجيش الإسرائيلي سيدخل رفح ويحقق النصر الكامل».
وتواصل وسائل إعلام إسرائيلية عرض اعترافات العديد من المسؤولين الإسرائيليين بأنه لا يمكن الفوز على جبهة غزة، وبأن الهجوم على رفح بدافع الانتقام سيؤدي إلى تعميق عزلة (إسرائيل) دولياً.
ونقلت هيئة البثّ الإسرائيليّة شبه الرسميّة «كان11» عن المتحدث السابق باسم جيش الكيان، رونين مانيليس، اعتباره الحديث عن إمكانية تحقيق انتصارٍ حاسمٍ في قطاع غزة تضليلاً كبيراً وكذباً مطلقاً، مؤكّداً في الوقت عينه عدم القدرة على القضاء على حماس في شهور معدودة.
في حين قال مقدّم البرامج السياسيّة في «القناة 13»، رفيف دروكر: في الحقيقة لقد علقنا في وضعٍ غريبٍ وربّما مرتبط بالسياسة الحزبيّة، فنتنياهو ربط كلّ شيءٍ برفح ووضع معادلة تساوي بين الانتصار في رفح والانتصار في الحرب، أيْ إنّنا يجب أنْ ننفذ العملية في رفح، طبقاً لأقواله.
زيارة غالانت لواشنطن يبدو أنها ستتركز على مطلب أساسي، وهو ضمان استمرار إمدادات الأسلحة للكيان من دون أن تتأثر بالخلافات المتفاقمة حول رفح.. الكيان بات يعاني أزمة حقيقية في التسليح والتجنيد
وتساءل دروكر في ظلّ ربط إنجاز عملية رفح بنهاية الحرب، عمّا إذا كان من مصلحة نتنياهو البدء في العملية، لأنّ ذلك يعني أنّ العد التنازليّ لحياته السياسيّة سيبدأ، ومن ثم فإنّ مسؤولين في الأجهزة الأمنية يعتقدون أنّ نتنياهو يتحدّث بشكلٍ مكثفٍ عن رفح، وفي الوقت نفسه يريد تأجيلها قدر الإمكان، طبقًا لأقواله.
على صلةٍ بما سلف، اعتبر القائد الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكريّة، عاموس يدلين، أنّه في حال التوصل لصفقة تبادل أسرى ووقف لإطلاق النار مدة 45 يوماً، فإن الجيش الإسرائيليّ لن يدخل رفح، مشيراً إلى وجود شعورٍ متنامٍ في العالم بأنّ «إسرائيل» تسعى للانتقام من خلال إصرارها على تلك العملية.
– الهدنة وتبادل الأسرى
لكن مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى ما زالت تراوح في «طريق مسدود» بما فيها مفاوضات الدوحة التي تجري حالياً.
وكان المتحدث باسم حركة حماس، محمود مرداوي، نفى وجود «أجواء إيجابية» في المفاوضات الحالية المنعقدة في الدوحة، ووصف الأنباء التي تتحدث عن ذلك بأنها كذب وتضليل، مؤكداً أنه لا توجد إرادة سياسية لدى الكيان الإسرائيلي للوصول إلى أي اتفاق.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية تحدثت أمس نقلاً عن مسؤول إسرائيلي وصفته بالبارز، قوله إن (إسرائيل) وافقت على اقتراح التسوية الذي طرحته أميركا، وأنها الآن بانتظار رد حماس. وأضاف بأنه لا توجد أزمة بشأن المفاوضات الدائرة في الدوحة، وأن فرص التوصل إلى اتفاق هي 50 في المئة.
لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها عادت اليوم للحديث عن الطريق المسدود الذي يراوح به مسار التفاوض، فيما يرى مراقبون أن ما يجري قد يكون مخاض ما قبل ولادة الاتفاق، وأن التفاصيل والخلافات التي يتم الحديث عنها لا تعني فشل التفاوض، وقد نشهد تنازلات في الأيام المقبلة.