رمزية حضور المرأة وربيع تجلياتها فناً صورة المرأة من زوايا ثلاثة فنانين تشكيليين
تشرين – وصال سلوم:
يحتفل في الثامن من آذار من كل عام باليوم العالمي للمرأة، احتفالية تعود نشأتها لما يقارب المئة عام مضى، وبعيداً عن الأسباب السياسية التي ساهمت في احتساب يوم من الروزنامة السنوية للمرأة، فإن التوقيت الفصلي له أبلغ هدية يمكن تقديمها للمرأة كعيدية (الربيع) بكل ما يعنيه من جمال وسحر وإبداع وخلق وتجديد يحاكي الحضور الأنثوي الجامع لموشور حب أبيض يغدق بإصدار عدد غير منتهٍ من ألوان الجمال والعطاء والتضحية والأمومة والإثارة والرقة.
وأفضل من يعكس حضورها ويوصف تلابيب جمالها ويستخلص من الربيع الاحتفالي العبير الذي يليق بسحرها (الفن) لتكون الرمزية العنوان الأهم والأبلغ لمحاكاة المرأة فكرة ورمزاً ولوحة ولتكون بحق كياناً بلاغياً مستقلاً، حتى لو كان مؤطراً ومحتواه لون في محبرة أو طرقة مطرقة.. أشبه أن تكون تعويذة (أبراكادبرا) بقدرة فنان، تحيلها لسحر فني يترجم حضور الأنثى بأبلغ معنى.
عصام درويش: مجموعة أعمال بعنوان “حضور الغياب”، أعتبرها نقلة في تجربتي التشكيلية، حيث صورت نساء في أوضاع مختلفة، وقد اختفين فعلياً من المشهد
المرأة في لوحة درويش
وأجمل التعاويذ قالها الفنان التشكيلي عصام درويش لتكون أعماله تمجيداً للمرأة التي قال عنها في عيدها: شكّل الحضور الأنثوي العنصر الأبرز في غالبية أعمالي الفنية على امتداد تجربتي التشكيلية الطويلة. وقد كان له المكان الأبرز في مشروع تخرجي في كلية الفنون الجميلة بدمشق العام ١٩٧٩ تحت عنوان “الانتظار” ، يصور حالات انتظار مختلفة للمرأة في عالم لم ينصفها مطلقاً لهذا السبب أو ذاك .
في تجاربي المبكرة بعدها دخلت المرأة إلى أعمالي التي صغت فيها عالماً من الغرف التي تطل على مشاهد طبيعة متخيلة، تلعب فيها المرأة دور ساكن الفراغ، المختبئ، المنتظر، المغوي، والتي تشكل فيه جوهر العمل ومحوره.
كما دخلت المرأة في بعض الأعمال بشكلٍ رمزي حيث استبدلتها بزهرة ” الآروم” الرائعة في حالات حب ضمن أجواء ميتافيزيقية تجمع بين الأرضي والغرائبي المتخيل الذي يقترب أحياناً من السريالي.
وفي مرحلة سبقت الحرب اشتغلت مجموعة كبيرة من الأعمال تحت عنوان ” حضور الغياب ” الذي أعتبره نقلة مهمة في تجربتي التشكيلية، حيث صورت نساء في أوضاع مختلفة، وقد اختفين فعلياً من المشهد حيث نشاهد أثوابهن المختلفة فقط في أجواء تدفع إلى التساؤل عن غيابهن، رغم أن هذا الغياب المفتعل يجعلنا نرى حضورهن بشكل أقوى .
وقد تغير شيء كبير في داخل كل منا أثناء فترة الحرب، ولذلك بدأت بالنسبة لي مرحلة مختلفة على الصعيد التشكيلي اسميتها مرحلة ” وجوه عربية معاصرة ” . وهي مرحلة رصدت فيها تعابير الصدمة والمعاناة والاستغراب وصرخة الاحتجاج والقهر وشتى صنوف عدم تصديق ما يجري على أرض سورية في تعبيرات متألمة على وجوه النساء وهي مرحلة مستمرة إلى الآن.
المرأة في لوحة حمدان
أما استثنائية حضور المرأة فكانت واضحة وجلية عند الفنان التشكيلي محمد بدر حمدان حين قال: المرأة هي الواقع ممزوجاً بأطياف الحلم السابح في بحر الاشتهاء.. وهي المكان الأول للحياة، بمعنى الرحم الأول والخفق الأول.. هي ضوء يفصح عن نفسه كل يوم.. في الذاكرة والحاضر والمستقبل تبقى حاضرة بوهجها وهباتها وتكوينها وجمالها متعدد القسمات والملامح الفاتنة.. ذلك أن الأنوثة ثقافة زمنية عنوانها العطاء وبابها المحبة، وسيرورتها الاستمرار وهي أكثر من فكرة وأوسع من مدى، وهي أهم من كل أشكال التعريف بها وأمدى من جميع الأطر التي لا تستطيع الإحاطة بكينونتها الراقية.. ربما هي الحاسة السابعة في طقم الحواس مثل أغنية يعزفها الزمن على أوتار ناره المقدسة..
محمد بدر حمدان: المرأة هي الواقع ممزوجاً بأطياف الحلم السابح في بحر الاشتهاء.. وهي المكان الأول للحياة، بمعنى الرحم، وهي ضوء يفصح عن نفسه كل يوم في الذاكرة والحاضر والمستقبل
يخرج الإنسان من رحم المرأة وينتهي في رحم الأرض، ربما من هنا جاءت ثقافة المشابهة بينهما، وكانت ثقافة الخصب في أرقى تجليات الإبداع حيث توأمت الأنثى مع الأرض وأعطتهما صفات مشتركة .
بالنسبة لي كانت الأنثى وتبقى مرجعاً جمالياً لأعمالي التشكيلية، وهي في كل حالاتها وكل مراحل جمالها تظل محط النظر، ويكون حوارها مبعث فضول للبحث في زوايا إنسانيتها وسبر أغوار قدرتها على التقديم بمعنى الوهب الدائم للإنسانية.. المرأة في أعمالي تكون بمنزلة الواقع وتعكس في نفس التشكيل وذات المفردة التشكيلية أدراج الحلم الراكض يعبق بالمحبة.
وأختم قولي: الأنثى صفحة جمال لا حدود لها، وركن معرفي لا ينضب.
نجود الشومري: المرأة حاضرة بشكل قوي في أعمالي.. وهي أعمال تشبهني، أو تعكس إحساسي تجاه ما مررت به أو ما اختبرته، أو حلمت به كوني امرأة..
المرأة عند الشومري
ويمكن إحصاء تجليات المرأة المعطاء كالطبيعة في أعمال الفنانة الملهمة نجود الشومري التي أنسنت الحجر، وجعلته ينطق حين حاكى حضورها، وبربيع عيد المرأة هنأتها قائلة: المرأة حاضرة دائماً عندما نتكلم عن ثقافة وحضارة وفنون عبر التاريخ.. أحترم وأعتز بأن أجدادنا على هذه الأرض احتفوا بالمرأة أو الأنثى. وقدسوها كأم ولادة تخلق من رحمها الحياة.. وأن ثقافة هذه الجغرافيا ربطت بين الولادة والخصب وبين المطر والأرض والزرع.. عملوا للربيع عيداً واحتفلوا بعودة الحياة رقصوا وغنوا لحبة القمح التي تنبت من رحم الأرض.. كما احتفلوا بطقوس الولادة، فالأرض أنثى.. هي الطبيعة برموزها، متل الشمس والزهرة والنجمة، هي الربة عشتار آلهة الحياة وسيدة الجمال.. والزهور ترقص لها الغزلان والشمس والسنابل.
انانا عشتاروت عنات افرودايت فينوس آلهة
الأرض ربة الخير والعطاء.. فأصل الآلهة كانت أنثى
الأم المقدسة الملهمة والحبيبة التي تحمل الحياة لمخلوق كامل من دمها وعظامها وروحها وأوجاعها .. وجدير بنا أن نحتفي بها ونقدسها ولو في يوم بالسنة..
كانت المرأة ولا تزال مصدر إلهام للشاعر والمصور والنحات.. وأنا موضوع أعمالي ومحور تجربتي كانا حول المرأة.. ملهمتي للتعبير عن حالات إنسانية إن كانت الحرب وما تركت في نفوسنا: الهجرة، الحب، العناق، أو حتى الفراق..
بالنسبة لي المرأة مخلوق يكاد يكون الأقرب إلى الكمال بين مخلوقات الله، والأقدر على عكس الحالة، وأنا أشعر بداخلي كل امرأة ويعنيني حزنها وفرحها وشعورها
أحس بالمرأة القوية بداخلي كما الحزينة.. وأتخيل الأم السورية الجبارة.. أتذكر صبرها وعطاءها ووزهوها، أحس بحزن يشبه الذي عاشته أمهاتنا، أحس بعيون فارقت أحباءها أو عائلات شردتهم الحروب عن أوطانهم الأم الثكلى والحبيبة والأخت والابنة.. لذلك المرأة حاضرة بشكل قوي في أعمالي، ولذلك أشعر بأن أعمالي تشبهني، أو تعكس إحساسي تجاه ما مررت به أو ما اختبرته أوحلمت به كوني امرأة..
واليوم نحتفي تقديراً لوجود وصبر وعطاء المرأة
ونعتز ونقدر دورها و وجودها الإنساني العظيم
المرأة السورية العظيمة وكيف تجاوزت حروباً، وطوت أحزاناً، وطورت أمماً في واقع أكثر من صعب، وأثبتت لنفسها كم هي الأنثى جديرة بكل جميل..
وكل عام وأنتن بخير..