العِلْمُ لا ينقذه إلا جَمَاله
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
خطر لي وأنا أقرأ عبارة لأديب روسي تقول: «العِلْمُ لا ينقذه إلا جماله» أن أقول «اللغة العربية ما أنقذها إلا جمالها»، جمالها المتمظهر فيما فاض به القرآن الكريم، وجاء به الشعر العربي الجاهلي، المعلقات مثالاً، وما حوته دواوين الشعر القديم والحديث من تعبير ساحر آسر، ولعل أحد أشكال توهّج جمال اللغة العربية هو تجدد حياة ألفاظها، واكتناز تلك الألفاظ بمعانٍ متعددة الوظائف تبتعد عن معانيها المعجمية الأولى، كقول «ليلى الأخيلية» تمدح حبيبها توبة:
وقد علم الجوع الذي بات سارياً
على الضيف والجيران أنك قاتله
فهنا أصبح للقتل معنى غير الذي في المعجم وهو أن لحظة تجدد معنى «القتل» من مذموم إلى محمود وممدوح هي لحظة ولادة جمال في حياة اللغة العربية، وسبب إثرائها لرصيدها من الفرح الداخلي وبولادة تلك اللحظات.. فبتلك الانتقالات في معاني الكلمات ودلالاتها تتعافى اللغة وتصبح أكثر قدرة على المقاومة.
وهكذا نجد أن الذين يغادرون ولا يرون في اللغة العربية هوية، وأماً، ومعلّمة، ومعشوقة، هم الذين لا يحبون الجمال، فألق اللغة الجمالية وتنقية ماء بحرها وسواقيها لا يعلق به أي غبار.
شعوبي، إنها لغة الضاد، ينطقها بشر تفيض قلوبهم بعشق اللغة العربية، وأقلام تكتحل شبابها بألق الضاد من غرناطة إلى دمشق وبغداد.