ميسّر كامل وسيماف حسين.. يفتكان بمألوف الكتلة واللون في صالة عشتار
تشرين- زيد قطريب:
ينتظر الفنان ميسر كامل، حصول معجزة ما، تبدل من حال نسائه المنكسرات، اللواتي ينتشلهن من الشارع والحديقة وورشات الحياة العسيرة، كي يصدرهنّ ضمن كوادر تحاكي أمهات خرافيات أو صبايا عشتاريات، لم تنل منهن انتهاكات الحضارة البليدة التي حولت الحياة إلى شاشات مسطحة في اللون والتفكير ومحدودية العين. هكذا التقى كامل مع النحاتة سيماف حسين في معرضهما الذي أقيم في صالة عشتار بدمشق، في الرهان على المرأة لاكتشاف اضطهادات الجسد وجمالياته خلال سنوات طويلة من الحرب، فكان عليهما تجبير الأذرع المقصوصة، وترميم الجماجم المهشمة أملاً في صيانة الحلم من الهزيمة. ورغم تباعد الضفتين بين ميسر وسيماف أحياناً على شكل مسافات لا تحد من خيالات الماء، إلا أنهما كثيراً ما عادا واجتمعا في خلجان حنونة تعيد نبش بقايا اللحم وبناءه على شكل أجساد ووجوه نعيش معها لكن لا نراها أو لا ندرك مدى اتصالنا بها.
ربما تسببت خبرة الفنان الطبيب ميسر كامل في تشريح الجسم البشري، في دفعه للتركيز على الغوص داخل خبايا النفس، فكانت سحنات نسائه بسيطة بتعبيرية عميقة علينا اكتشافها من تفاصيل العين واللباس والعناصر الموجودة في خلفية اللوحة، فيما ركزت سيماف حسين على الكتلة وإظهار التفاصيل الدقيقة لحركة الجسد لتكتشف الفحوى نفسه بأسلوب مختلف. في هذه النقطة كانت قبائل النساء عند ميسر كامل وسيماف حسين، كأنهن جُبلن من طينة واحدة، لكن بأصابع مختلفة اقتضتها تقنيات الرسم بالزيتي والنحت على الخشب، التي تتطلب كل منهما مهارات مغايرة وأدوات سبر مختلفة لإعادة تشكيل أشلاء الأجساد على هيئة أجسام كاملة، لكن مدعمة بخصوصية الفنان صاحب التكوين الجديد. يتأكد الرائي من معرفته الشخصية مع جميع نساء ميسر كامل، فهو سبق وعايشهنّ أو حدق في وجوههن داخل الحافلات أو رآهنّ في غرف الانتظار وناصيات الشوارع، وهنّ يُقبلن كرهاً أو سعادة على الحياة. لكن ميسر، في كل مرة يلتقط فيها جسداً يبدو غريباً، يضيف إليه جميع النواقص التي فقدها، ويعيد ترتيبه جمالياً مستخدماً مبضع الطبيب في تشريح الروح، لأن الجسد منكشف سلفاً بالنسبة إليه. أمهات يحدقن بالوقت، وصبايا تستظل الشجيرات وتحلمن بالاستقرار، المآقي كلها ملأى بالحزن كأنها تنتظر في محطة مهجورة لقطار سيتأخر كثيراً في الوصول.
في حين ركزت سيماف حسين في منحوتاتها الخشبية الحنونة والعارفة طريقها جيداً، على الكتلة ومقارعة الفراغ بالامتلاء، ذلك الجسد الأنثوي التي نحتته بأصابعها النحيلتين، كان قادراً دائماً على شق عصا الطاعة والانشقاق عن أبناء جنسه، ليثبت للرائي أنه أكثر حريةً وجمالاً مما يعتقد صاحبه. جماليات مدهشة صنعتها سيماف وهي تزرع كائناتها بالأجنحة والانتفاضات القاسية كأنها تخوض معركة باسلة مع نفسها والمحيط، لتثبت أن هناك ضفافاً أخرى للمخيلات والسحر تمثله هذه الأجساد التي لابد من أن تكتشف ذاتها قبل كل شيء.
في هذا المنحى، كان اللقاء بين التجربتين والفراق بينهما، حتى في الوقت الذي اختار فيه كل من ميسر وسيماف شق مساره الخاص، كان المصبّ واحداً، وهو إعادة الجسد إلى رشده ونبش جمالياته حتى لو كانت مسنونة جداً، تصيب العين منذ النظرة الأولى.
معرض يعيد المجد للبساطة والعمق في وقت واحد. ففي صالة عشتار، التقت فرادة الخط واللون مع سحر الكتلة وانعطافاتها الكثيرة. وهي فسحة تترك مساحات رحبة للمخيلات التائقة للتجديد، كأن ميسر وسيماف يفتكان بمألوف اللون والكتلة، حتى يصنعا احتمالات لا تتوقعها العين.