شيءٌ من سيرة القصة السورية
ما إن نشر السوري علي خُلقي (1911م-1984م) مجموعته القصصية، وهي الوحيدة “ربيعٌ وخريف” ذات حينٍ من سنة 1931م؛ حتى اعُتبر ذلك إذاناً بولادة القصة القصيرة في سورية، فقد أجمع الباحثون والنقاد – وهم قلما يُجمعون على أمر- على أنّ تلك المجموعة التي أعاد طباعتها لمرةٍ واحدة ويتيمة اتحاد الكتاب العرب سنة 1980م؛ تُصنف كأول مجموعة قصص ذات مستوى فني جعلت من صاحبها رائد القصة القصيرة في سورية.
ومع مجيء بعض الأقلام بعد ذلك خلال ثلاثة عقود: الستينيات، والسبعينيات، والثمانينيات، شهدت ساحة الأدب السورية، أسماء هامّة في كتابة القصة القصيرة، حققتْ شهرةً واسعة، كما حظيّ كُتّابها بحفاوة، يصرُّ كُتاب النقد على تكرار تلك الحفاوة، وكأنّ القصة القصيرة توقفت عند ذلك الحين من الزمن..!
رافق تلك الحفاوة المستمرة أبداً، حالة من “البكائية” على ما أطلقوا عليه، وبكثير من التزوير، إنه “زمن جميل” باعتبار كلّ من كتب القصة بعد انصرام عقد الثمانينيات كان من “الزمن البشع” كحالةٍ من عدم الاعتراف، وهي وأن كانتْ مُحيّرة، غير أن في أسبابها جملةٌ من الخفايا، هي من جعلت من الحاضر في نظر هؤلاء الكتّاب والنقاد “زمناً بشعاً”، ومن ثمّ كان هذا العويل، والولولة على أطلال هؤلاء “الفرسان” من كتّاب القصة، الذين ذهبوا بقوالبهم التي كسرها النقاد والكتّاب المعاصرون، بحيث يستحيل على كتّاب اليوم كتابة حتى قصة مشابهة لما كتبه السالفون، ومن ثمّ فإنّ كلّ كتابة جديدة بنظرهم، هي لا ترقى ل”جماليات” الزمن البائد..!
غير أنه ومنذ بداية التسعينيات، سيبدأ فصلٌ جديدٌ في مسيرة القصة السورية، فالساحة الأدبية، ستُفعم بالكتّاب من مختلف اتجاهات الكتابة، وسيُسجّل عقد التسعينيات رقماً خيالياً في إصدار المجموعات القصصية، ورغم إن قصة اليوم، ومنذ بداية التسعينيات، ستتفوق، وبجدارة على فن القصة الذي سبقها، وبأشواط بعيدة، غير أنّ الذائقة المعاصرة، أبداً بقيت تُرسل بغزلها باتجاه البعيد.. صحيح إنني لست مع نسف ما سبق من إبداع، غير أنني لست مع بقاء حياة النقد على الاعتياش على هذه الحالة السلفية المقيتة..!
لكن ومنذ منتصف التسعينيات وإلى اليوم؛ سيُكوّع فن القصة بكامل جمالياته صوب القصة القصيرة جداً، وهو ما شكّل صدمة للنقد السوري لم يستوعبه إلى اليوم، تماماً كما لم يستوعبه اتحاد الكتاب العرب، والدليل عدم إصداره مجموعات قصصية من هذا النوع إلى الآن، وبقيت الهيئة العامة السورية للكتاب تصدر مثل هذه المنوعات – القصة القصيرة جداً – لكن على استحياء وبخجلٍ شديد..!!
هامش
………..
ق ق ج
قمة
أقنعوه بالوصول إلى القمة، وطويلاً رددوا على مسامعه بيت الشاعر أبي القاسم الشابي:
ومن يخشى صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
بجهود سيزيفية وصل أعلى القمة؛ تملكه الرعب، حينما نظر ووجد أنّ كل ما حولها هاوية.