القصة التي بين يديّ، ستُقرأ للتقييم!
القارئ الموجّهة إليه هو الطفل! وما أصعب مزاج هذا القارئ الذي يفترضه الكاتب غضّاً، فضولياً، متشوّقاً، لكنه ذو خبرةٍ خاصة تحتاج إلى إدراكٍ يشبهها من حيث الفكرة والصياغة واختيار المفردات! وكم يكون الكاتب متوفّزاً يجول بذهنه سريعاً في مناطق معرفة الطفل، وهو يمسك بمفاتيح إدهاش هذا الطفل واصطحابه إلى منطقة جديدة ساحرة، لأنه قارئ لا يمكن خداعُه أو تعطيلُ حواسه!
تروي القصة حكاية شجرة في غابة تتعرض لحريق وهي تتذكر على مسمعٍ من شجيرات فتيّات، ذلك الحريق الذي أودى بحياة الكثيرات وكيف حافظت على نفسها وهي بذرة مرمية تحت صخرة لم تستطع شقّها لكنها انتظرت المطر ونبتت من جديد، ثم لقّنت سامعاتها درساً في ضرورة حفظ الغابات من إشعال النار! كانت القصة شبيهةً بحصة مدرسية، بلا أحداثٍ، بلا تحريك مشاعر بين الراوية والمستمعات اللواتي تم اختيارهن عشوائياً، فما دامت المتحدثة شجرة سرو فلا بأس من حضور البلوط والزعرور من دون أي خصوصية لإحداهن!! فالسرو هو شجر دائم الخضرة طويل القامة يستطيع التجاور والتلاصق بحيث صار يصلح سوراً للمزارع والبساتين، أما البلوط فهو معمَّر يتحمل برودة الجبال والسفوح العالية والعواصف، بينما الزعرور شجرة برية متواضعة تحمل ثماراً صغيرة يُغنّى لها أكثر من الغرام بها كالثمار التي يداوم البشر على زراعتها وتناولها واستخدامها في أطايب الحلويات والعصائر مثل التفاح والرمان والبرتقال والليمون والتين والتوت!
حين علمتُ أن كاتبة القصة مهندسة زراعية، استوقفتني المعلومة، وافترضت أنها يمكن أن تتناول نبتةً بيئية يراها الطفل، لكنه لا يعرف الطيف الواسع من المعلومات المحيطة بها كشروط عيشها، ومعاناتها حين لا تتوفر هذه الشروط، وماذا يمكن أن يقدم لها حتى تعيش وتزدهر وتزهر، وما أكثر النباتات في بيئتنا المعتدلة، المتنوعة، من قمة جبالنا إلى ضفاف أنهارنا إلى باديتنا إلى حدائقنا إلى حقول خضارنا، وكلٌّ منها بوسعه أن ينسج أجمل القصص عن سيرته الذاتية سواءٌ كان للغذاء أو الدواء أو الزينة!
هل غابت خلفيةُ الاختصاص عن الكاتبة فلم تُحسن سكبَها في قالبٍ قصصي يمتع الطفل ويزرع في ذهنه حقيقة وجودية كما فعل “جبران خليل جبران” في “البنفسجة الطموح” وقد بنى على هشاشة ساقها مصيرَها المأساوي لأن طموحها كان أقوى من طاقاتها، أم إن تجربة القصة برمتها كانت دخيلةً على قدرتها الأدبية فضاعت منها المفاتيح؟
لم يكن “حنا مينه” عالم بحار، لكنه كتب عن البحر وشجونه، ربما أكثر من علوم قبطان وملاح!
نهلة سوسو
123 المشاركات