مشكلة اجتماعية مازالت معقدة.. بانتظار جهود مركزة لعلاجها… هل نبلغ سن الرشد لحماية القاصرات
دمشق- بشرى سمير:
زواج القاصرات قضية جدلية خطيرة تحكمها العادات والتقاليد، ولا يجرّمها القانون وغير محرمة شرعاً، وكم من فتاة صغيرة فقدت أحلامها وحياتها نتيجة تزويجها لرجل يكبرها بعدة سنوات خوفاً من الفقر والعوز؟.
منظمة اليونيسيف سعياً منها للحد من هذه الظاهرة التي تظلم الفتيات الصغيرات دون سن الثامنة عشرة، اعتمدت مصطلح زواج الأطفال بدلاً من الزواج المبكر أو زواج القاصرات، لتشير من خلال التسمية إلى خطورة ما يجري باسم الزواج من انتهاك للطفولة..
خبير الحماية الاجتماعية في منظمة اليونيسيف ماهر رزق لفت إلى أن المنظمة حددت سن الزواج للجنسين بالثامنة عشرة، باعتباره سن اكتمال الأهلية، ولفت إلى أن هناك ما يسمى الموافقة المستنيرة من دون ترغيب أو ترهيب للفتاة.
الفقر والعوز
أشار رزق إلى صدور العديد من التشريعات والقوانين في سورية تتعلق بقضايا الزواج وحماية الأطفال، مثل قانون الأحوال الشخصية الذي عدّل أكثر من مرة، وقانون الشؤون المدنية، وقانون حماية الطفل الذي، حسب وجهة نظره، لا يزال بحاجة الى تعديل بما يتناسب مع الواقع الراهن.
وحدد رزق أسباب الزواج المبكر، ويأتي في مقدمتها؛ الفقر، وقلة الوعي والتعليم، والعادات والتقاليد في بعض المناطق، وأشار رزق إلى ما تسببه هذه الظاهرة من آثار نفسية وجسدية واجتماعية على الفتاة والمجتمع، حيث أنها تسبب إصابة الفتاة بالاكتئاب لعدم قدرتها على تحمل المسؤولية لصغر سنها أو الإصابة بأمراض منها فقر الدم أو الولادة المبكرة، إضافة إلى الآثار الاجتماعية المتعلقة بتردي الحالة المادية واستمرار حلقات الفقر أو انتشار الطلاق وانتشار الجهل وتدني مستوى التعليم بسبب ترك الفتاة المدرسة.
فستان الزفاف
ومن حالات زواج القاصرات التي رصدناها؛ حالة الشابة راميا التي تزوجت بعمر 13 عاماً، وأشارت إلى أن فرحتها بالفستان الأبيض والهدايا جعلتها توافق من دون أن تدرك حجم المسؤولية التي كانت بانتظارها، وخاصة مع قدوم طفلها الأول وهي بعمر الخامسة عشرة، ولم يمض وقت طويل حتى توفي زوجها الذي كان يعاني مرض القلب لتبقى وحدها في مواجهة الحياة وتربية طفليها الصغيرين وتحمل أهلها مسؤولية حرمانها من التعليم وضياع أجمل سنين من عمرها في تربية ورعاية طفلين في الوقت الذي كانت هي طفلة وبحاجة إلى رعاية.
%48 في سورية
الدكتور عربي المصري، أستاذ في قسم الإعلام في جامعة دمشق، بين أن زواج الاطفال منتشر في الدول النامية، وخلال سنوات الحرب وصلت نسبة زواج القاصرات في سورية لـ 48 % عام 2015، وهي نسبة كبيرة بالنسبة إلى دول الجوار، وظهر خلال الحرب ما عرف بمجهولي النسب نتيجة تزويج الفتيات من أغراب ومن ثم الإنجاب من دون معرفة الأب.
المصري: وفاة 30 % من الفتيات بسبب الولادة المبكرة
وأشار المصري إلى مخاطر زواج الأطفال الذي قد يؤدي إلى موت الفتاة بسبب عدم اكتمال نموها الجسدي والنفسي، فقد سجلت إحصائيات منظمة اليونيسيف وفاة 30% من الفتيات دون سن الثامنة عشرة بسبب الولادة المبكرة أو الإجهاض، منوهاً بأن القانون يمنع زواج القاصرات، وغالباً ما تلجأ الأسر إلى تزويج بناتها بكتاب خارج المحكمة أو بسمة (كتاب الشيخ).
وأشار المصري إلى أن الدولة أصدرت قراراً بمنع زواج الشيخ (كتاب الشيخ) وأي شيخ يكتب كتاباً اليوم يعاقب، لأن الزواج يجب أن يكون رسمياً عبر المحكمة لضمان سن العروسين، وبالتالي عدم التلاعب على فكرة أن يضعوا الدولة أمام الأمر الواقع بأن تثبت زواج شيخ لقاصرين ضمن الزواج المبكر. كما يجب معرفة المخاطر عن الزواج المبكر لأن خمسين في المئة من الحالات في العالم زواج مبكر تتعرض للعنف، واليوم توجد أكثر من 44 مليون حالة التهاب رحم واستئصال رحم قاصر تحت 16 سنة ممن ينجبن مبكراً، لذلك وجب التوعية بهذه المخالفات التي تحدث.
رزق: تحسين الوضع المادي والاقتصادي للأسرة.. وإلزام الأهل بتعليم الفتاة والعودة إلى المدرسة
حلول لمعالجة الظاهرة
من الحلول التي عرضها ماهر رزق خبير الحماية الاجتماعية لعلاج المشكلة تحسين الوضع المادي والاقتصادي للأسرة، وإلزام الأهل بتعليم الفتاة والعودة إلى المدرسة، مشيراً إلى أن وزارة التربية عملت على وضع المنهاج المكثف (ب) لمعالجة الانقطاع عن المدرسة، إضافة إلى ضرورة تعديل التشريعات بما يناسب البيئة المحلية والاجتماعية، وتأسيس خطاب ديني جيد للتأثير على الناس ونشر الوعي حول خطورة زواج الأطفال والذي يشمل الجنسين ولا يقتصر على الفتيات فقط.
إحصائيات عالمية
وحسب الإحصائيات العالمية في جميع أنحاء العالم، تم تزويج ما يقدر بنحو 640 مليون فتاة وامرأة على قيد الحياة اليوم في مرحلة الطفولة – أي 12 مليون فتاة سنوياً-، وانخفضت نسبة الفتيات اللائي تزوجن في مرحلة الطفولة من 21 في المئة إلى 19 في المئة منذ صدور آخر التقديرات قبل خمس سنوات.
ولكن على الرغم من هذا التقدم، شددت اليونيسف على ضرورة أن تكون التخفيضات العالمية أسرع بمعدل 20 مرة كي يتسنى تحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في إنهاء زواج الأطفال بحلول عام 2030.