نزار قباني.. خمسون عاماً في مديح النساء

تشرين- ثناء عليان:

في إطار احتفال وزارة الثقافة بمرور مئة عام على ولادة الشاعر نزار قباني، ألقت الروائية فائزة داود محاضرة بعنوان “نزار قباني.. خمسون عاماً في مديح النساء” في قصر بانياس الثقافي بيّنت فيها أنّ الشاعر قباني أطرب الجمهور العربي في غزله، وكان ديوان(خمسون عاماً في مديح النساء) تاريخ الحب إلى المرأة والوطن، ووصلت حروفه النبيذية إلى أسماع الجميع في أقاصي أرض العرب بشرقها وغربها، وصارت أنثى شعر نزار قباني المثل الأعلى للجمال، ويخطىء من يقول: إنّ نصف قرن من الشعر كانت فقط للمرأة، مشيرة إلى أن نزار قباني كتب إلى الوطن حين كتب للمرأة، ولن يستطيع ناقد على وجه البسيطة الفصل بين المرأة والوطن في كل ما كتبه الشاعر الذي وصف بالجماهيري.
ولفتت صاحبة “طريق العودة” إلى أنّ الجماهير رددت قصائد محمود درويش، وتغنّت بأشعار نزار قباني، وكما هو معروف للجميع فقد نذر محمود درويش حياته للقضية الفلسطينية، وقدّم قصائده قرابين على مذبحها الجماهيري.
فيما أمضى نزار قباني خمسون عاماً من حياته في مديح النساء.
“أنا ما تورطت يوماً
بمدح ذكور القبيلة..
ولست أدين لهم بالولاء
ولكنني شاعر
قد تفرّغ خمسين عاماً
لمدح النساء!!”
يشهر نزار قباني سلاحه، ويتغنّى بمجده الشعري الذي لا يشبه أمجاد الخلفاء والسلاطين إذ يقول:
“أنا لا أقارن مجدي
بمجد السلاطين والخلفاء.
فهم يحكمون بحد السيوف
وإني حكمت بشعر الغزل!!”
يمتطي نزار قباني حسب صاحبة “رجل لكل الأزمنة»” صهوة مجده الحريرية حاملاً معه إغواء كلمات لم يجرؤ من سبقه على حياكتها ونثرها على أجساد النساء. فيقول عن نفسه:
ومن عادتي
أن أكون سفيراً لكل النساء..
وشاعر كل الفصول.
وأكتب فيهن شعراً ونثراً
فتكبر أحداقهن قليلاً
وتصغر أعمارهن قليلاً
لم يجد نزار قباني أرقى من الدبلوماسية التي عمل بها برتبة سفير كي يمدح من خلالها النساء، ويكتب فيهن أرق ما كتب في شعر الغزل، لكنه وعلى الرغم من دبلوماسيته الشعرية هذه فهو يحذر المرأة من حروفه وكأنه بذلك يهيؤنا لكلام غير مألوف.
وتوقفت صاحبة “العرمط” عند الحروف النبيذية أو (نبيذ حروفي) التي يصنع منها قباني عالماً حسياً يفقده أناه وفيزيائيته وأفكاره وكبرياءه، فيعلن من عالم العشق السحري أنه لم يصنع النساء من حروفه النبيذية كما كان قد أعلن، بل هنّ مَن صنعنّه في مختبرهن:
أريد يا سيدتي، أن تعرفي
بأنني لم أصنع النساء في مختبري
لكنني.. أنا الذي خرجت من مختبر النساء..
نٌسب إلى نزار قباني معرفته بالمرأة أكثر من معرفة المرأة بنفسها، وكان رده على ما نُسب إليه بأنه كلما ازداد قرباً منها ازداد جهلاً بها، وهو لا يمكن أن يدعي غير ذلك.
وتبدو قصيدة (هل أنت حقاً تعرف النساء) دليلاً على جهله بعالم النساء على الرغم من أنثوية القصيدة التي يكتبها على لسان امرأة
أحبني كما أنا..
بلا مساحيق.. ولا طلاء..
أحبني.. بسيطةً، عفوية
كما تحب الزهر في الحقول، والنجوم في السماء
فالحب ليس مسرحاً تعرض فيه آخر الأزياء..
وأغرب الأزياء..
يسأل نزار قباني نفسه في ديوانه (خمسون عاماً في مديح النساء) عمن يكون؟! سؤاله هذا يطرحه في قصيدة (مَن أنا في أمريكا؟):
أعبر البحر إلى شاطئكم
باحثاً عن خاتم الحب الذي ضيعته
منذ خمسين سنة.
باحثاً عن شعر بلقيس الذي ضيعته
منذ خمسين سنة.
وسؤال واحد يقلقني
مَن أنا في أمريكا؟
يتابع تساؤله عمن يكون في زمن الحاسوب والروبوت والقلب الصناعي وموسيقا مادونا، من يكون في زمن يصنع الحب والجنس في عيادات الأطباء، في الأنابيب.. فماذا يعني لكل هؤلاء شاعر الحب؟
يستحضر نزار قباني رفاق الأمس كي يخرجوه من غربته:
يارفاق الزمن الطيب في لبنان
إني جئتكم
حاملاً من بحر بيروت
عصافير، وأصدقاء، ومنقوشة زعتر
حاملاً جرح هوى لا يتخثر..
من يصدق أن يكون قلب شاعر الحب والمرأة مليئاً بكل هذا الحزن؟ من يصدق أن شاعراً بحجم نزار قباني يعيش كل هذه الغربة؟ حيث يبدو الحزن والغربة قدر الشعراء وربما كانا دليلهما إلى الشعر الحقيقي، وينادي نزار قباني أبناء الوطن من غربته في أمريكا يسألهم عن الشعر، عن غرور المتنبي وعن طموحه وحين لا يتلقى جواباً عن أسئلته، يعلن استقالته فينشد:
أيها السادة: إني مستقيل
من صراخي، واحتجاجي، وجنوني
مستقيل من فمي، حتى
ومن لون عيوني.
فاعذروني
لم أعد أؤمن أن الشعر ديوان العرب، حقاً منفى كل مبدع ما يبدع فيه، ومن خلاله يعلن رسالته، ويبكي وجعه، ويصرخ به في وجه البشاعة بكل أشكالها وأزمنتها، يبني نزار قباني في قصيدة (متى يعلنون وفاة العرب؟) حلمه الإنساني يجعله وطناً حراً يفيض بالجمال، يشكره حين يكتب قصيدة، يسمح له أن يمارس فعل الهوى، يصفح عنه إذا ما فاض نهر جنونه، حاول نزار قباني أن يرسم وطناً صديقا لنا جميعاً، برلمانه من الياسمين، وشعبه رقيقاً مثل الياسمين، ولأجل ذلك حاول أن يرسم فيه مدينة حب:

أحاول رسم مدينة حب
تكون محرّرة من جميع العُقد..
فلا يذبحون الأنوثة فيها..
ولا يقمعون الجسد!!.
و أخيراً لابدً من التساؤل عن جدوى الشعر إن لم يكن جماهيرياً، وعن قيمة الشاعر إنْ لم يلهب في النفوس مشاعر الحب إلى المرأة والوطن، كل بحروفه إن كانت نبيذية أم خضراء أو وردية!!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار