لا تلقى الحماسة.. مخترعون يقدمون خلاصة خبراتهم و يعتقدون أنها تسبح بالهواء!
تشرين- أيمن فلحوط:
شكّل معرض سورية الدولي الأول للمكننة الزراعية الذي اختتم فعالياته يوم الأربعاء الماضي، فرصة للمخترعين والشغوفين في الميدان الزراعي لعرض ما توصلوا إليه من عمل دؤوب على مدى سنوات في الولوج بقضايا مهمة تهم قطاعاً مهماً في حياتنا.
وخلال شرح الطليعي محمد الصفوة الفائز بالمركز الأول لمعرض الباسل للإبداع والاختراع بدورته الـ21 ، والمشارك في المعرض، خلال التعريف بمشروعه «تقنية الري الذكي للمزروعات»، الذي يستهدف الأراضي الزراعية والبيوت البلاستيكية والحراج والحدائق أثناء تفقد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك للمعرض، بحضور محافظ دمشق، وقد استأذن الوزير بالسؤال وهو ابن حمص، قائلاً:
المخترع الباروكي: نحن أصحاب أفكار ولسنا أصحاب رؤوس أموال
شاهدت خلال زيارتي لدمشق جبل قاسيون، وهناك مساحة كبيرة جرداء، ساعدوني وخلال سنة سأحول لكم الجبل إلى مساحة خضراء كاملة من خلال مشروعي، ثم توجه الوزير إلى محافظ دمشق قائلاً: هذا الكلام لكم فاعملوا المفيد.
غيرة وحرص
بمثل هذه الغيرة والحرص، يتحدث المخترعون في سورية عن أعمالهم ونشاطاتهم، لكن هذه النشاطات مع الأسف لا تلقى الحماسة، التي يقبل عليها المخترعون أنفسهم، فبعد مسيرة قرابة العقود الخمسة في ميدان الاختراع يشعر المخترع فارس الباروكي بالإحباط لعدم تبني الاختراعات بالشكل المناسب، ولاسيما أنها تحمل الكثير من الحلول للمشكلات الزراعية وغيرها مما يعاني منها مجتمعنا.
المحراث الذكي
يؤكد الباروكي في حديثه لـ”تشرين” : شاركت في المعرض بعملين يحملان براءة اختراع، وبالرغم من التقنية الموجودة في «المحاريث» الذكية، التي قمت باختراعها، وحاجة الفلاح والأرض الملحة لها، ولامتلاك مثل هذه الآليات، فإننا نُواجه بظلم عدم وجود الشريك، أو المؤسسة التي تتبنى مثل هذه الاختراعات، فنحن أصحاب أفكار، ولسنا أصحاب رؤوس أموال، وأفكارنا يمكن الاستفادة منها، ومثل هذه المحاريث يجب أن تصنع وتصدر إلى الخارج، لأنها في خصوصيتها غير موجودة، وقد قمنا باختبارها في الأراضي بأصعب الظروف، سواء أكانت الصلبة، التي تحتوي على حجارة كبيرة، أم غيرها، وقمنا بتنظيفها واقتلاع الحجارة منها بطريقة سهلة، وبمتناول يد الفلاح، الذي لا يمكنه أن يأتي بمعدات ضخمة بديلة عنها، وهذه المحاريث تفي بالغرض، وتتعامل مع الأشجار وتحمي جذورها وجذوعها من خلال آلية عملها.
أين المؤسسات العلمية؟
ليطلق المخترع الباروكي تساؤلاً مهماً: أين المؤسسات العلمية والبحوث العملية مما صنعناه، لكي تضع النقاط على الحروف، والمعدات في أماكنها الصغيرة؟ فهذا مطلبنا، وندعو جميع المستثمرين لكي يستفيدوا من هذه الاختراعات لتعم الفائدة، فتتحقق للمستثمر والفلاح والمخترع.
ويتحسّر الباروكي على أعمال المخترعين بشكل عام، وهو أحد أعضاء جمعية المخترعين في سورية، بتأكيده ” نخترع ولكن اختراعنا يسبح في الهواء” ولا يوجد مع الأسف أي نشاط إنتاجي لتلك الاختراعات.
قصته مع الاختراعات
بدت قصة الباروكي مع الاختراعات قبل 5 عقود من الزمن، وكان المحراث الذكي أول اختراع حصل فيه على براءة اختراع، كما أشار لـ”تشرين”، والذي تطلّب منه سنوات عديدة من التجارب والجهد والتعب والمال، لأن الاختراع لا يمكن أن يكون وليد الساعة بين يوم وآخر، وأبصر اختراعه الأول النور عام 2009، ثم كانت السكة الهيدروليكلية الارتجاجية في العام التالي، وبعد ذلك كانت هناك العديد من الأبحاث العلمية، وخاصة في مجال الطاقات البديلة. ولدي الآن ثلاثة محاضر إيداع تتم دراستها في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إضافة لعشرات الإبداعات الموجودة عالمياً، وقمت بتطويرها وتحسينها.
مستخلص عضوي
بعد مشاركتها بمعرض الباسل للإبداع والاختراع ٢٠٢٣ وحصولها على جائزة الباسل بالمرتبة الثالثة والميدالية البرونزية، عرضت المهندسة الزراعية سلافه درويش في معرض سورية الدولي الأول للمكننة الزراعية، منتح فيرمي كومبوست، ومستخلصاً عضوياً من دودة الأرض، يستخدم في الزراعات المتنوعة، وأوضحت درويش أن المنتج بعد تهيئة البيئة المناسبة، لتربية أنواع دودة الأرض، يخضع لظروف الرقابة والاهتمام، من ناحية تقديم الغذاء لها، بفضل إعادة تدوير النفايات، وعند تغذيتها على هذه النفايات، تنتج مخلفاتها سماداً عضوياً، وهذا المنتج نقوم بعملية استخلاصها في الماء للحصول على المذيبات العضوية السائلة، المستخدمة في مجال المكافحة الحيوية، والتي تعدّ طريقة فعالة وآمنة، وأوفرها اقتصادياً، حيث لاحظت من خلال تجربتي تواصل عديد من المزارعين للحصول على المنتج، من السماد والسائل العضوي،
المخترعة درويش: مستخلص عضوي من دودة الأرض يستخدم في الزراعات المتنوعة
لتغطية مساحة كافية من المزروعات، والتي تعد بديلاً طبيعياً للمواد الكيماوية، حيث يتم استخدام هذا السائل، إما عن طريق الحقن في التربة، أو تضاف مع الري بالتنقيط، أو الرش الوقائي على النبات، وهذا يساهم في تعزيز المناعة للنبات، وتقوية المقاومة البيولوجية ضد الأمراض والحشرات، وتالياً إنتاج محصول وفير، في حين ما يتبقى من مشتقات الفيرمي “التفل” نقوم بإعادة تدويره، وتحويله إلى محفزات حيوية، تضاف للتربة قبل الزراعة، لتحسين حالتها الطبيعية، كما تم إنتاج مستخلص عضوي من دودة الأرض نفسها، في الحصول على ديدان مجففة، لاستخدامها كعلف للأسماك والدواجن، بالإضافة إلى تحويل ديدان مجففة لمسحوق تدخل كمتممات غذائية للرياضيين وعلاجات طبية وتجميلية.
الزراعة المائية
شغفه بالعمل الزراعي، رغم عدم تخصصه في هذا المجال، لم يثنه عن البحث والتجارب والاختبارات في ميدان الزراعة المائية، للتوصل لنتائج يراها حسام الكيال خريج المحاسبة، مفيدة على صعيد الأسرة، ويمكن أن تحقق لكل بيت قسماً مهماً من احتياجاته، على صعيد الخضار والنباتات المفيدة، وخاصة في ضوء ضيق مساحات الأراضي المتوفرة في المدينة، مضيفاً أنه كان يحلم بحديقة منزلية “تفرح القلب”، يعم فيها اللون الأخضر، ولديه “عريشة” على السطح، وأمام هذه الرغبة بدأ منذ عام 2016 بالبحث والمتابعة، لمعرفة أدق التفاصيل في ميدان الزراعة المائية بأشكالها المختلفة، سواء كان ذلك على صعيد الأكوابونيك للاستفادة من مخلفات الأسماك في تغذية النباتات في ميدان الزراعة المائية، أو عبر الهيدربونيك باستخدام المحاليل المغذية.
الكيال: الزراعة المائية توفير للمساحات والمياه وتؤمّن جزءاً مهماً من احتياجات الأسرة
يضيف الكيال: الحالة الأولى تتطلب مساحة أكبر من الحالة الثانية لضرورة توفير خزانات مياه من أجل الأسماك، في حين الحالة الثانية لا تتطلب تلك المساحات، فآثرت العمل على الحالة الثانية، لعدم توفر المساحات لدي في المنزل، وعلى سطح البناء، فقمت بزراعة الخضار الورقية بدءاً من عام 2018 بعد التجارب عامي 2016و2017 وكانت لدي تجربة مهمة بعد قيام أحدهم في أحد بلدان الخليج العربي بتمويل التجربة، وقد نجحت نجاحاً باهراً، وكانت عبارة عن التكافل بين الأسماك والنباتات، ما يسمى الأكوابونيك، ولم أتمكن من الاستمرار في هذا الجانب لكلفته، فتحولت إلى الهيدروبونيك، لأن زراعة الأكوابونيك تحتاج إلى طاقة مستمرة لتغذية الأسماك بالأوكسجين وبالماء والهواء، أما الزراعة وفقاً للهيدربونيك مع المحاليل المغذية، فتحتاج لأوقات معينة صغيرة لتروي النباتات بما يعادل ثلاث مرات وأقصاها خمس مرات، ولمدة ربع ساعة من الكهرباء في أقصاها باليوم، في ضوء انقطاعات الكهرباء والتقنين الموجود.
وبين الكيال أن البيت يمكن أن يؤمن قسماً لا بأس به من حاجاته للخضار وفقاً للمساحة المتوفرة، ويستطيع المرء زراعة كل الخضراوات، ويستغني في كثير من الأشهر عن شرائها، وهو ما حصل معي على صعيد زراعة النعنع والخس والبقدونس والجرجير، وشتلات البندورة والخيار، وقمت بتخزين النعنع اليابس لمدة سنة كاملة، على سبيل المثال، وحصلت خلال الزراعة في السطح على البطيخ والشمام و..إلخ.
ونصح الكيال بالتوجه للزراعة المائية، لأنها تساهم في ترشيد المياه وتؤمن جزءاً مهماً من احتياجات الأسر في العديد من النباتات والخضار المختلفة، وفي مساحات صغيرة، تتوفر في أسطح المنازل، وفي شرفات المنازل، لكنها تحتاج إلى خبرة معينة في التعامل مع النباتات، ومع المحاليل المغذية المستخدمة، والتي يمكن تصنيعها محلياً.
ت- طارق الحسنية