هكذا نعيد لقطاعنا الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ألقه وقوته قبل تدهوره بشكل كبير
تشرين – محمد فرحة:
هل يمكن تحقيق التنمية الزراعية والارتقاء بالإنتاجية والإنتاج الزراعي الكلّي للوفاء باحتياجاتنا وتحسين معيشتنا بصورة دائمة؟ سؤال مطروح منذ سنوات بقوة، وسيظل كذلك إلى أن نرتقي بهذا القطاع الحيوي والمهم.. فلم يعد خافياً على أحد أن قطاعنا الزراعي في تدهور مستمر وغير مستقر، بالتزامن مع عدم رغبة المزارعين في تكرار تجارب السنوات الخمس الماضية، وهم الذين يحفظون المثل الشعبي القائل: ” من جرّب المجرّب….”
فمع كل تحضير واستعداد لزراعة الموسم، تبدأ تصريحات المعنيين بأنهم جادون بتوفير كل مستلزمات الخطة الزراعية من مشتقات نفطية وأسمدة وبذار، لكن التصريحات شيء، والواقع شيء آخر، إذ سبق للمزارعين أن سمعوا “المعزوفة” نفسها خلال الأعوام الماضية، فماذا كانت النتائج؟
لا توفير للمستلزمات، فهل يعقل أن يتم تخصيص الدونم الواحد بـ”ليتري” مازوت فقط، وفي ظل غياب الأسمدة وطرحها بالسعر الرائج، حيث يتعدى اليوم سعر الكيس سعة ٥٠ كغ الـ٥٠٠ ألف ليرة، إن لم نقل أكثر من ذلك بكثير.
إن تحقيق الأمن الغذائي يستلزم بالضرورة تنمية الزراعة والارتقاء بها، لكونها مصدر الرزق لنحو أكثر من ٣٥ بالمئة من سكان سورية، وهذا لا يتم إلا من خلال الاعتماد على تنظيم وإدارة الموارد، وفي مقدمتها التكنولوجيا الزراعية وكل مستلزمات هذا القطاع الحيوي المهم قبل الشروع بتنفيذ الخطة بفترة طويلة، كي تكون خير محفز للمزارعين، سعياُ لتحقيق الأمن الغذائي من دون الحاجة لاستيراد القمح بالقطع الأجنبي، إذ إن تحقيق الربح للمزارعين هو الدافع الرئيس، فلا أحد يزرع ليخسر، رغم قناعتنا بأن المزارعين يعشقون الأرض، ويقدّسون الزراعة، لكن للمحاصيل التي يرون فيها مكاسبهم .
مدير المصرف الزراعي في منطقة الغاب أيمن أبو صفرا أكد في وقت سابق أن جدول الاحتياجات الخاصة من الأسمدة هو ٣٠ كيلو غراماً للدونم الواحد المزروع بالقمح، أما أن نعطيه نصف هذه الكمية فبكل تأكيد سيكون المردود الإنتاجي قليلاً ولا يحقق المطلوب.
في هذه الأثناء بدأت وزارة الزراعة تأكيداتها بأنها سعّرت كيلو بذار القمح بـ ٣٩٥٠ ليرة وسعر شرائه من المزارعين تأشيرياً بـ٤٢٠٠ ليرة، وأنها ستقدم المازوت الزراعي وفقاً للتنظيم الزراعي، وكل الأمور سيتم توفيرها، وهي التصريحات نفسها التي يسمعها المزارعون مع بداية كل موسم زراعي .
وأكد مدير عام هيئة تطوير الغاب المهندس أوفى وسوف أن الخطة الزراعية لسهل الغاب لهذا العام هي ٥٢ ألف هكتار للمروي والبعل، وهي أقل من العام الماضي تقريباً بشيء بسيط .
والكلام نفسه قاله مدير “زراعة حماة” المهندس شرف باكير، حين أشار إلى أن خطة هذا العام لزراعة القمح أقل من خطة العام الماضي تقريباً .
هذا بالنسبة للقطاع الزراعي، أما فيما يتعلق بالثروة الحيوانية فهي ليست أحسن حالاً، فقد بدأ المربون يعزفون عن تربية المواشي، بسبب ارتفاع أسعارها، فليس من المعقول تسعير كيلو الشوندر العلفي بـ٣٤٥٠ ليرة بأكثر من كيلو الشعير والنخالة والكبسول، بل إرغام المزارعين على شرائها، من خلال تحميلها مع المواد الأخرى.
عن ذلك، أكد رئيس دائرة الإنتاج الحيواني في “تطوير الغاب” الدكتور مصطفى عليوي أن أسعار المادة العلفية قلّلت كثيراً من وجود الأبقار في مجال سهل الغاب، حيث يوجد ٢٩ ألف رأس ومن الماعز ٩٧ ألفاً و٤٨٧ رأساً، وسبب هذا العدد اللافت من الماعز هو اعتماد المربين على رعيها في الغابات أكثر منه منزلياً، مشيراً إلى نقطة في غاية الأهمية مؤداها أن تجار الحليب هم المستفيدون من كل ذلك، حيث يشترون كيلو الحليب بـ٤٠٠٠ و٤٥٠٠ ليرة، في حين يبيعونه بـ٦٥٠٠ ليرة لمعامل الأجبان والمشتقات الأخرى.
بالمختصر المفيد، عدد من المزارعين أكدوا أنهم لن يزرعوا هذا العام القمح، بل سيزرعون محاصيل أكثر ريعية، كالحبة السوداء واليانسون وغير ذلك، فزراعة قمح بلا أسمدة ومازوت، وشراؤه بسعر أقل من التكلفة، هذا الأمر لم يعد مرغوباً، وتساءل أحدهم: هل يعقل أن نشتري بذار القمح بـ٣٩٥٠ ليرة ونبيعه بـ٤٢٠٠ ليرة، أي بزيادة ٦٠٠ ليرة فقط؟ من الآن يجب إعادة النظر بهذه التسعيرة، فهي محبطة وليست مشجعة أبداً كما تتصور وزارة الزراعة، نريد النظر إلى أن الاقتصاد السوري المتين هو اقتصاد زراعي بامتياز .