بين التعامي الغربي والصدمة الإسرائيلية تتوه البوصلة.. تجييش وتحريض إعلامي غربي يكشف زيف العناوين المطروحة باعترافات إسرائيلية
تشرين – بارعة جمعة:
ما تُمليه تجربة الإعلام الغربي في نقل صورة الواقع بدقة وتوازن، يأخذ باحتمالات قيام حرب بريّة إلى سكة مغلقة.. ليست بوارد أحد ولا يمكن الاعتماد عليها فيما لو تمت بشروط محددة، ولعل ما تم تداوله مؤخراً من مبررات للتراجع بحجة الطقس، أبلغ تعبير عما يحدث في كواليس هذا الإعلام، هنا فقط لا بد من التوقف قليلاً والنظر من زاوية أخرى أكثر تأثيراً في وجدان الأمة العربية والإسلامية أجمع، وهي صور المقاومة، التي لم تكن بعيدة عن واقع العدو المُنهك من ضرباتها، صدّرت أكثر مما يمكن قوله أو الحديث عنه لحشد الرأي العام العالمي لها، هنا فقط برزت قوّة الإعلام في إثبات أحقيته وقدرته على قلب الحقائق والوقائع لصالحه.
تماهٍ وإنكار
عملية طوفان الأقصى وما تثيره من مواقف ووجهات نظر مختلفة، فرضت على إعلام الغرب الخوض في تجربة تزييف الحقائق المعتادة، لا بل المعروفة عنه منذ بداية الحرب الإرهابية على سورية، تجربتنا الطويلة جعلت من نظرة أغلبيتنا له من منطلق التّحقُّق لا التصديق.. اليوم وبمجرد سماع حديث واعترافات الإسرائيليين أنفسهم بالهزيمة، كان كفيلاً بإضاءة المشهد واستكشاف مساراته الماثلة والمُحتملة.
بدت المسافة واضحةً بل عميقة بين التقاليد والقيم التي يقول الإعلام الغربي إنه يتحرك ضمنها عبر تطورات المشهد في الشرق الأوسط
على أرض الواقع.. بدت المسافة واضحةً بل وعميقة بين التقاليد والقيم التي يقول الإعلام الغربي أنه يتحرك ضمنها، عبر تطورات المشهد في الشرق الأوسط، وما لجأت إليه منابر غربية باستضافة حوارات ثنائية تضاءلت ضمنها مساحة الحديث عن الحدث الفلسطيني الأبرز، والاكتفاء أحياناً بأخبار قليلة ذات طابع أمني، اختزلت قضية شعب بأكمله، لا بل نزعت من القضية عناوينها الكبرى.
لم يكن أسوأ ما قدمه الإعلام الغربي للقضية هو ضمن تخصيص الخبر والتحليل للقضية فقط، فالمدعوون كانوا متشابهين في تكرار الحديث ذاته والخوض في سياق الحرب من زاوية الزعم بأن الكيان الإسرائيلي في مرمى التهديدات الإرهابية، ليبرز منهم من هو مهمته بسط توطئة معلوماتية تشمل معطيات وتعقيدات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والديموغرافيا، وتصدير صورة الإجرام عن الشعب الفلسطيني في رسم صورة تُقدَّم على أنها واقع، وما في الواقع من واقع.
اعترافات صريحة
على المقلب الآخر من الحدث نجد إعلام العدو يفتح نقاشاً موسعاً حول عملية طوفان الأقصى، مستضيفاً مسؤولين سابقين وخبراء أمنيين وإعلاميين، أجمعوا على إخفاق كيان الاحتلال في توقع زمن الحدث ووقوعه.. رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً الجنرال احتياط غيورا آيلاند وصف ما حدث بأنه انهيار لأجهزة «إسرائيل» حيث إن الجهاز المعلوماتي الذي يتوجب عليه الدفاع عن غلاف غزة لم يرتقِ إلى المستوى المطلوب على حدِّ تعبيره.
لم يكن أسوأ ما قدمه الإعلام الغربي هو فقط تخصيص الخبر والتحليل للعملية فعلى المقلب الآخر نجد الإعلام العبري يفتح نقاشاً موسعاً حولها مستضيفاً مسؤولين سابقين وخبراء أمنيين وإعلاميين
«إسرائيل لا تفهم ما حماس، وما جرى يثبت ذلك» .. بهذا الوصف علَّق البروفيسور عوزي رابي رئيس مركز موشي دايان لدراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، بينما أقرَّ مُحلل الشؤون الفلسطينية في صحيفة يديعوت أحرونوت، آفي يسخاروف، بالإنجاز الذي حققته المقاومة وقال في تعليقه للاعلام الاسرائيلي: «أعتقد أن هذا الإنجاز غير مسبوق، وربما هذا الإنجاز العسكري الأكثر أهمية» فيما عدّ الجنرال احتياط أمير أفيفي أن الأمر بات مُعضلة إستراتيجية كبيرة تتجاوز مستوى الحدث أي عملية طوفان الأقصى فقط، التي عدّها حرباً ليس لها مثيل.
سقطة مُكررة
سواءً في الحروب القديمة أو الحديثة، تحتل الحرب الإعلامية حيّزاً هاماً في المعارك، لما لها من تأثير على الروح المعنوية للخصم، إلّا أنها باتت اليوم شريكاً في صناعة الرأي العام وفق رؤية الكاتب والباحث في القانون الدولي أحمد قلعجي، وهو ما يبرر الدأب الصهيوني والأمريكي الغربي للسيطرة على وسائل الإعلام بشكل عام، لتقديم الصورة التي تخدم أهدافهم بتغييب الحقيقة، هو سلوكهم المُعتاد في حروبهم كافة برأي قلعجي، مؤكداً في حديثه مع «تشرين» الغاية من هذا الفعل بتقديم العدو نفسه كضحية أو المستنفر للدفاع عن الحرية والديمقراطية، نافياً الهدف الحقيقي لعدوانه.
د. قلعجي: باتت الحرب الإعلامية اليوم شريكاً في صناعة الرأي العام وهو ما يبرر الدأب الصهيوني والأمريكي الغربي للسيطرة على وسائل الإعلام بشكل عام
توثيق المقاومة لعملياتها من خسائر للاحتلال وهزائم متكررة له، شكل صدمةً كبيرة للعدو، لم يستطع إخفاءها أو التجاوز عنها برأي قلعجي – وهو ما بات واضحاً في تصريحاته آنفة الذكر، ما أثر بشكل مباشر على معنويات الجنود الصهاينة والمستوطنين، لا بل ودفعهم لمحاولات الهروب خارج فلسطين، هنا كانت حرب الإبادة لقطاع غزة بمثابة الرفع للحالة المعنوية لجنود الاحتلال ومستوطنيه، فيما تولت الدول الحليفة – أي للعدو- مهمة الحفاظ على الصورة النمطية التي تم تكريسها لهذا الكيان، بأنه يدافع عن نفسه ويخوض حرباً بمواجهة إرهابيين وليس مقاومة، وسط تغييب كامل من قبل وسائل إعلامه لصور الشهداء والجرحى وضحايا العدوان الهمجي على قطاع غزة.
د. قلعجي: توثيق المقاومة لعملياتها من خسائر للاحتلال وهزائم متكررة له، شكل صدمةً كبيرة للعدو لم يستطع إخفاءها أو التجاوز عنها
معظم وسائل إعلام الغرب مملوكة من قبل أباطرة الإعلام المُتصهيِن، أمر يجب ألّا ننساه وفق رؤية الكاتب والباحث في القانون الدولي أحمد قلعجي، حيث إن هامش الحرية في نقل الحقيقة لديها محدود جداً، أمام من يحاول كشف حقيقة ما يجري.
ويضيف د. قلعجي شارحاً أهمية الإعلام في توجيه الرأي العام: لا بدّ من الإشارة إلى أن هناك تغييراً تدريجياً على المستوى الشعبي حتى في الدول الحليفة لـ «إسرائيل» نتج عن اختراقين مهمين لوسائل الإعلام عبر مواقع التواصل والقنوات الصديقة، ما أثر في مقدار التعاطف مع الكيان وانقلابه إلى تأييد للشعب الفلسطيني، بإدانة الجرائم المقترفة بحقه، وهي خطوة إيجابية ونقلة نوعية في تاريخ الصراع، ستكون لها نتائج مهمة على المدى المنظور وليس البعيد.
نعم.. نجح الإعلام المُقاوم بكل أشكاله في كسر الصورة وإظهار حقيقة الكيان الصهيوني، إلى جانب تصدير انتصاراته لقضاياه العادلة إلى العالم أجمع، وهو ما سيزيد من قدرة المقاومة على إحراز انتصارات إعلامية موازية، لا تقل أهمية عن الانتصار العسكري.