ذهبنا نتجول في المكتبات ودور النشر بحثاً عن أمهات الكتب لأن الشاب لم يجد “صدقةً جارية” على روح أبيه أفضل من تأسيس مكتبة صغيرة في قريته النائية يأتي إليها الشبان للقراءة والحوار، وإجراء مباريات معرفية!
كان المبلغ المرصودُ لهذه “الصدقة” لا بأس به، لكنه جعلنا نعجز عن حمل الكتب التي اشتريناها لأن أصحاب المكتبات، حين فهموا غاية المشروع، تكرموا بالعديد من النسخ المجانية، لكن حين كنا نرتب الكتبَ التراثية وتلك التي كوّنت ثقافة أجيالٍ ومبدعين، ورواياتٍ مترجمة لكبار الكتاب العالميين قال لي: لم نشترِ كتاباً واحداً لفائزٍ بجائزة نوبل، وترك لي فرصةً للتأمل! حقاً لماذا صرفنا المبلغ كله على كتبٍ هي الأرضية الأولى لتكوين الثقافة والمعرفة، ولم يمرّ بنا فائزٌ بجائزة نوبل رغم عمرها الذي تجاوز المئة عام؟ حسناً هناك مبدعون كبار خارج هذا التقليد فشاعر مثل “امرئ القيس” مهم للثقافة الإنسانية وكذلك ملحمة “سيف بن ذي يزن” و”جبران خليل جبران” و”ميخائيل نعيمة” و”حنا مينه” و”عبد الله عبد” و”بدر شاكر السياب” و”إبراهيم طوقان” بل وحتى “مصطفى المنفلوطي” الذي أودعنا كتبه على الرف، ليعرف قارئه لغة عصره..
كان ذلك قبل عقد من الزمن، وخلاله واصلت الجائزة العالمية تسليم الفائزين المبالغ المالية والدروع التذكارية في احتفاليات تقام في السويد، وبعدها يثور “ضجيج” نقدي، أساسُه تقريرٌ قصير تكتبه لجنة الجائزة المختصة وتوزعه “افتراضياً” على الصحافة ووكالات الأنباء، فتتلقفه الأخبار بكل لغات الشعوب، لأن “نوبل” هي سقفُ الجوائز الأدبية العالمية ودونها كل الجوائز أياً كانت أهميتها في أوروبا وغيرها، هكذا غُذِّي الوعي المعاصر، وعلى هذا الوعي أن ينبهر بالقوة حتى حين يتلقى اسمَ آخر فائزٍ “يون فوسه” وهو اسم مجهول تماماً بالنسبة للقارئ العربي رغم نشاط الترجمة التي أحضرت لنا كل ثقافات الشعوب بكافة لغاتها، لكن حين الحفْرِ حول هذا الكاتب، كما قُدّم لنا من لجنة التحكيم، هو “صوتٌ لما لا يمكن قولُه” ( هذا تعبير يحتمل مليون تفسير) حتى بعد معرفة أنه روائي وكاتب للأطفال وشاعر ومسرحي ينتهي تعريفه بأنه ذو توجه نخبوي! ثم ينتقل التعريف إلى اللغة التي استخدمها في “إبداعه” وهي لغة “النينورسك” (إحدى أشكال كتابة اللغة النرويجية) وهنا بيت القصيد! لقد ذهبت الجائزة التي يحلم بها كل أدباء العالم المنتمين إلى اللغات الحية الثرية، لتسقط في حضن لغة قد يكون عارفوها أقلّ بكثير من عدد قبيلة تعيش بقيمها الإنسانية الرفيعة في أدغال أفريقية!
أيحق لنا أن نمدّ يدنا إلى ظلّ هذا “السقف” لإبعاده عنا؟؟ لم لا؟ ما داموا يتصرفون بملء الثقة في فرض ثقافتهم علينا وعلى غيرنا؟
نهلة سوسو
123 المشاركات